شكلت الدورة الخامسة للحوار الاستراتيجي بين المغرب والمملكة المتحدة، التي ترأسها في الرباط ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية المغربي، وديفيد لامي، وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية، نقطة تحول حاسمة في تاريخ العلاقات بين المملكتين. هذا اللقاء رفيع المستوى، الذي عقد في 1 يونيو 2025، يؤكد دخول البلدين في حقبة جديدة من التعاون، مستندة إلى تاريخ مشترك يمتد لأكثر من ثمانية قرون وقيم مشتركة.
وكان هذا الحوار فرصة لإرساء أسس شراكة استراتيجية شاملة. وتجلى ذلك في توقيع بيان مشترك وعدة اتفاقيات تغطي قطاعات رئيسية مثل الهجرة ومكافحة الإرهاب والتعليم والمناخ والصحة والبنية التحتية. كما تفتح آفاق جديدة في مجالات مبتكرة مثل البحث العلمي والتحول الطاقوي والمياه وحقوق الإنسان والتبادل الثقافي والرياضي.
وأشادت المملكة المتحدة بقيادة الملك محمد السادس، لا سيما من خلال مبادراته الإقليمية من أجل الاستقرار في إفريقيا، مثل عملية الدول الإفريقية الأطلسية والمبادرة الملكية لوصول دول الساحل إلى المحيط الأطلسي. هذا الاعتراف يضع المغرب كفاعل إقليمي رئيسي، قادر على الجمع بين الاستقرار والتنمية والنفوذ الدبلوماسي.
ومن أبرز نقاط هذه الدورة الدعم الصريح للمملكة المتحدة لخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء. ووصف ديفيد لامي الخطة بأنها "الأساس الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق وعملية" لحل دائم للنزاع الإقليمي. وتلتزم لندن بدعم هذا الحل بنشاط، بما في ذلك من خلال الاستثمارات الاقتصادية في الصحراء المغربية. وأعلنت هيئة تمويل الصادرات البريطانية عن استعدادها لتمويل مشاريع في الأقاليم الجنوبية، مع التزام إجمالي قدره 5 مليارات جنيه إسترليني لدعم المشاريع الهيكلية في جميع أنحاء المغرب.
منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تسعى المملكة المتحدة إلى تنويع تحالفاتها خارج الإطار الأوروبي. في هذا السياق، يبرز المغرب كجسر استراتيجي نحو إفريقيا، معترف به من قبل لندن كبوابة أساسية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية للقارة. هذه الديناميكية تندرج في إطار رغبة مشتركة لتعزيز التعاون الثنائي وبناء شراكات طويلة الأمد قائمة على الثقة والاستقرار.
على الصعيد متعدد الأطراف، يؤكد البلدان من جديد التزامهما بميثاق الأمم المتحدة، واحترام سيادة الدول ونظام دولي قائم على القانون. كما يدعمان العملية الأممية التي يقودها ستافان دي ميستورا للتوصل إلى حل سياسي لملف الصحراء، مما يجعل مواقفهما الدبلوماسية متوافقة.
تضفي العلاقة بين المملكتين، التي تتجسد في التبادلات المنتظمة بين محمد السادس وتشارلز الثالث، على هذه الشراكة استمرارية سياسية وقدرة على مقاومة الاضطرابات الجيوسياسية العالمية. وبالتالي، لا تقتصر هذه الدورة الخامسة من الحوار الاستراتيجي على اتفاقيات قطاعية، بل ترمز إلى نضج علاقة ثنائية قائمة على الرؤية والاحترام والطموحات المشتركة.