في بلد تعاني فيه حرية التعبير من قيود متزايدة، تحولت سيارات الأجرة في شوارع الجزائر العاصمة إلى منصات حقيقية للنقاش الحر، حيث تتجاوز وظيفتها كوسيلة نقل لتصبح ملاذاً للأحاديث السياسية والاجتماعية وحتى الجيوسياسية. بعيداً عن الرقابة والآذان المتطفلة، يجد الجزائريون في الطاكسيات مساحة للتعبير عن آرائهم، تبادل الانتقادات، وتقديم النصائح الحياتية.
في قلب العاصمة، وتحديداً أمام مقر الخطوط الجوية الجزائرية قرب ساحة أودان، تتشكل طوابير من الركاب بانتظار سيارة أجرة. كل راكب يحمل معه وجهة وأمنية، وفي كثير من الأحيان، قصة أو رأياً يريد مشاركته. بمجرد انطلاق السيارة، تبدأ الحوارات تلقائياً: من أسعار الأضاحي المستوردة، إلى هموم السكن، مروراً بذكريات "العشرية السوداء" وأزمات الهجرة، وصولاً إلى انتقادات لاذعة للسياسات الحكومية والبيروقراطية.
تتميز هذه النقاشات بتنوعها وعمقها، حيث يلتقي جيل الشباب مع الكبار في حوار عابر للأجيال، يتبادلون فيه وجهات النظر حول مشاكل البطالة، غلاء المعيشة، أو حتى جودة المطبخ الجزائري وصادرات التمور. ولا يغيب عن هذه الأحاديث حس الفكاهة والتهكم، الذي يخفف من حدة الواقع اليومي.
يلعب سائق الطاكسي دوراً محورياً، فهو ليس مجرد ناقل بل مستمع ومشارك نشط في الحوار، أحياناً يعارض وأحياناً يوافق، لكنه دائماً يفتح الباب أمام الجميع للتعبير عن آرائهم، حتى تلك التي لا تجد لها مكاناً في الإعلام الرسمي أو على منصات التواصل الاجتماعي.
هذه المساحات المتنقلة تعكس روح العاصمة الجزائرية، وتمنح صوتاً لمن لا صوت لهم في الفضاء العام. في زحام المرور وضجيج الشوارع، يبقى الطاكسي ملاذاً للبوح، ونافذة على واقع مجتمع يبحث عن ذاته ويعيد صياغة أحلامه بين محطة وأخرى.