لغز مذبح تيكال: اكتشاف يكشف أسرار التضحية بالأطفال وصلات حضارتين عظيمتين

أضيف بتاريخ 05/26/2025
دار سُبْحة


في قلب غابات غواتيمالا الكثيفة، وبالقرب من أطلال مدينة تيكال العريقة، كشف علماء الآثار عن مذبح مزخرف يعود إلى القرن الخامس الميلادي، يحمل في طياته أسراراً غامضة عن طقوس التضحية بالأطفال وصلات ثقافية عميقة بين حضارتي المايا وتيوتيهواكان. هذا الاكتشاف المذهل جذب انتباه مجتمع الباحثين وأعاد إحياء النقاش حول طبيعة العلاقة بين هاتين الحضارتين العظيمتين في أمريكا الوسطى.

عُثر داخل هذا المذبح على بقايا ثلاثة أطفال تقل أعمارهم عن أربع سنوات، دفنوا بعناية في ثلاثة جوانب من الهيكل، إضافة إلى طفل رابع وضع في وضعية الجلوس، وهي طريقة دفن نادرة في تقاليد المايا، لكنها شائعة في تيوتيهواكان. كما وجدت بقايا شخص بالغ يحمل رأس رمح من حجر السبج الأخضر، وهو حجر كريم ارتبط منذ قرون بحضارة تيوتيهواكان واستخدم في طقوسهم الدينية والحربية.

يزين المذبح رسم لإله العواصف المعروف في أساطير تيوتيهواكان، بملامحه المميزة وعينيه اللوزيتين وفمه الشبيه بالمخالب وتاج الريش البارز. يشير هذا التجسيد الفني إلى انتقال تقاليد دينية ورمزية من تيوتيهواكان إلى قلب أراضي المايا، في وقت كانت فيه السيطرة السياسية والثقافية لمصلحة الزوار القادمين من الشمال.

وتكشف التحليلات أن هذا الموقع لم يُهدم كما جرت عادة المايا عند تجديد معالمهم، بل تم دفنه بعناية وتركه دون مساس لقرون طويلة. ويُرجح الباحثون أن ذلك يعكس حالة من التردد أو الحذر تجاه آثار النفوذ التيوتيهواكاني، وربما نوعاً من الاحترام أو الرهبة من طقوس تمت في أوقات مضطربة من تاريخ تيكال.

ويُعتقد أن المذبح لم يكن مجرد موقع للتضحية بالدماء فحسب، بل أيضاً وسيلة لتثبيت شرعية الحكام الجدد الذين جلبهم التيوتيهواكان إلى تيكال ودعم نفوذهم من خلال طقوس دينية مستوردة. ويظهر هذا بوضوح في عدم إزالة المذبح بالكامل أو إعادة استخدام موقعه.

إن هذا الاكتشاف الثمين يسلط الضوء على مدى تعقيد العلاقة بين حضارتي المايا وتيوتيهواكان، حيث لم يكن التأثير من جانب واحد أو عبر الغزو فقط، بل شمل أيضاً التبادل الثقافي والديني وصياغة هوية حضارية مشتركة في بعض الفترات، تداخل فيها المقدس بالسياسي، وظلت أسرارها صامدة حتى يومنا هذا.