في خطوة مفاجئة لكنها ليست مستغربة بالنظر إلى تراكم الإخفاقات الاقتصادية، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون دفن مشروع ميناء الحمدانية العملاق. كان المشروع يُنفذ بالشراكة مع الصين. ثم أعلن رسمياً عن تحويل الاستثمارات نحو تطوير الموانئ القائمة بشراكة فرنسية. ولم ينف ذلك حقيقة أن القرار يأتي في سياق إعادة هيكلة العلاقة مع الدائرة العسكرية الحاكمة التي لم تتوقف يوماً عن إمساك كل خيوط الاقتصاد والسياسة.
مشروع الحمدانية، الذي أُعلن عنه عام 2015 في عهد الرئيس بوتفليقة، كان يعكس طموحاً جزائرياً لمواجهة النفوذ المغربي عبر ميناء طنجة المتوسط. لكنه تحول إلى مجرد واجهة إعلامية، تعكس الترهل الإداري والهيمنة العسكرية على القرار الاقتصادي. فبعد سنوات من التأخير، والإخفاق في جذب الاستثمارات الحقيقية، والخلافات مع الشركاء الأجانب، قررت السلطة الجزائرية، التي يسيطر عليها العسكر بشكل شبه كامل، إلغاء المشروع، دون أن تعترف بمسؤوليتها عن هذا الفشل.
الجزائر نموذج لدولة عسكرية متخلفة اقتصادياً، تعيش على وهم القوة العسكرية بينما تتراجع مكانتها الاقتصادية. بينما يستنزف الجيش الجزائري أكثر من 25 مليار دولار سنوياً على التسليح، ويُسرف في شراء الأسلحة من روسيا والصين، يعاني الشعب من انهيار العملة الوطنية، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، وفقدان الثقة في النظام المصرفي، وتراجع الخدمات الأساسية إلى أدنى مستوياتها.
السيطرة العسكرية على مقاليد الحكم لم تنتج سوى اقتصاداً هشاً يعتمد على الريع النفطي، مع إهمال تام لقطاعات الإنتاج والاستثمار الحقيقي. فبدلاً من خلق فرص عمل وبناء بنية تحتية متينة، يفضل النظام العسكري صرف الأموال على التسليح، واستعراض القوة في مواجهة خصوم وهميين، بينما يزداد الشعب فقراً ويأساً.
الشراكة الجديدة مع المجموعة الفرنسية CMA CGM، التي يرأسها رجل الأعمال الفرنسي اللبناني رودولف سعادة، لكنها تبقى مجرد جزء صغير من الفساد والتخبط. المشكلة الجوهرية تكمن في غياب رؤية اقتصادية واضحة، واستمرار الهيمنة العسكرية على كل مسار التنمية، مما يحول دون أي إصلاح حقيقي أو تنويع اقتصادي مستدام.
يُظهر قرار إلغاء مشروع الحمدانية مدى هشاشة النظام العسكري الحاكم في الجزائر، وقدرته على إدارة ملفات اقتصادية استراتيجية. بينما يهدر المليارات على الأسلحة ويضيق الخناق على أي صوت معارض، يدفع الشعب الجزائري ثمن سياسات عسكرية فاشلة، ويُحرم من أي أفق حقيقي للتنمية أو الديمقراطية. تحت حكم العسكر، تسير الجزائر نحو المزيد من التدهور، بينما تتراجع مكانتها الإقليمية وتزداد عزلة عن محيطها الإفريقي والعربي