05/08/2025

"لولا الملامة": تحفة عبدالوهاب التي جعلت من الحب خوفاً مطرباً

في عالم الفن العربي، هناك أغانٍ لا تكبر مع الزمن، بل يزداد بريقها كلما تقدم العمر، وأبرزها أغنية "لولا الملامة" التي وضع لحنها الموسيقار محمد عبدالوهاب، وكتب كلماتها الشاعر مرسي جميل عزيز، وقدمتها بصوتها الساحر وردة الجزائرية عام 1973 في فيلم "حكايتي مع الزمان". لم تكن الأغنية مجرد لحن عابر أو كلمات رومانسية، بل تحولت إلى أيقونة للجمال والرومانسية، وإلى تعبير صادق عن مشاعر الحب التي تصطدم بالخوف من لوم المجتمع والناس.

مطلع الأغنية "لولا الملامة يا هوا لولا الملامة، لفرد جناحي ع الهوى زي اليمامة"، يحمل في طياته رغبة جامحة في الانطلاق مع الحبيب، لكنه يصطدم بالخوف من نظرات المجتمع ولسان الناس. هذا المزيج بين الرغبة والقلق جعل الأغنية قريبة من كل من عشق يوماً أو خاف من نظرة الناس إليه. اختار عبدالوهاب كلمات مرسي جميل عزيز لتكون مرآة تعكس مشاعر الملايين من العشاق الذين يخشون التعبير عن مشاعرهم علانية.

لم تكن وردة الجزائرية مجرد مطربة تؤدي الأغنية، بل كانت ممثلة في فيلم "حكايتي مع الزمان" الذي جسدت فيه شخصية مطربة تعيش صراعاً بين الفن والحب والأسرة. هذا السياق الدرامي أعطى للأغنية بعداً إنسانياً عميقاً، فلم تعد مجرد لحن، بل أصبحت قصة حب وحياة. وعندما غنت وردة "وأنا بخاف الملامة.. وأنا باخاف الملامة"، لم يكن صوتها مجرد أداء، بل كان تعبيراً عن كل من عاش هذا الخوف أو شعر به.

توجد تسجيلات نادرة لمحمد عبدالوهاب وهو يغني "لولا الملامة" على العود، مما يبرز موهبته الفريدة في العزف والغناء، كما توجد بروفات بينه وبين وردة تظهر مدى الدقة والاهتمام الذي بذلاه في إخراج هذه التحفة الفنية. ورغم أن عبدالوهاب وضع الإطار العام للحن، إلا أن من وزع الأغنية وصاغ تفاصيلها هو بليغ حمدي، مما أضاف لمسة إبداعية أخرى للأغنية.

لم تقتصر شهرة "لولا الملامة" على وردة فقط، بل غنتها لاحقاً العديد من الفنانين مثل شيرين عبدالوهاب ونانسي عجرم وسلمى رشيد وفضل شاكر وإليسا، لكن يبقى أداء وردة هو الأقرب إلى القلب والأكثر تأثيراً.

في النهاية، لم تعد "لولا الملامة" مجرد أغنية، بل تحولت إلى جزء من الذاكرة الجماعية للعرب، وإلى أيقونة للرومانسية التي لا تهاب الحب بقدر ما تخشى نظرات الناس. هي أغنية تبقى حية في قلوب محبي الفن، وتظل شاهدة على إبداع عبدالوهاب ووردة، وعلى قدرة الفن العربي على مخاطبة المشاعر الإنسانية بأعمق وأجمل ما يمكن.