صحيح، يمكن أن نحاول تحسين شروط الصفقة، وبصورة خاصة فيما يتعلق بعدد الأسرى الذين سيتم إطلاق سراحهم، في مقابل كل مخطوف حيّ، لكن لا ينبغي لنا أن نتشدد في الأمور الثانوية، وخصوصاً بشأن محور فيلادلفيا. فإلى جانب حاجتنا المُلحة لإنقاذ المخطوفين في آخر الفرص المتاحة أمامنا، تتوفر، على الأقل، أربعة أسباب أُخرى، تجعل هذا المسار خيارنا الصحيح.
السبب الأول هو خسائرنا: فقبل 13 شهراً، كان المجتمع الإسرائيلي بأكمله يبكي على مدار أيام، على كل جندي يُقتل. ويبدو أننا فقدنا الآن هذا الشعور. لقد قسَت قلوبنا تجاه موت جنودنا، خيرة شبابنا. بل إننا لم نعد نتأثر بسقوط الجرحى حتى، على الرغم من أن الأمر يتعلق بشبان يفقدون أطرافهم، أو بصرهم، وتنهار حياتهم.
يتمثل السبب الثاني في العبء الكبير الملقى على كاهل الجنود، سواء أولئك الذين يخدمون في السلك النظامي، أو جنود الاحتياط الذين تتعقد أوضاعهم الأسرية والاقتصادية في كثير من الحالات. صحيح أن العبء سيظل كبيراً على المقاتلين في جميع الأحوال، لكن من المستحسن تخفيفه بقدر الإمكان.
ثالثاً، العبء الاقتصادي، فكل يوم من القتال يكلّف نحو نصف مليار شيكل! صحيح أن الجهد الرئيسي الآن يتركز في لبنان، لكن كل شيكل ننفقه اليوم، سيفتقده الاقتصاد بشدة غداً.
رابعاً: "العالم بأسره" يتوق إلى إنهاء الحرب في غزة. على الجبهة اللبنانية، هناك تفهُّم أكبر في العالم لسبب قتال إسرائيل هناك، وحتى مباشرةً ضد إيران، لكن لا أحد يفهم ما الذي نريد تحقيقه بعد في غزة.
إذا ما واصلنا القتال في غزة ستة أشهر، أو سنة أُخرى، فلن يُحدث ذلك فرقاً في الواقع هناك. هناك أمران سيحدثان فقط: سيموت جميع المخطوفين، وسيُقتل مزيد من الجنود. لن يتغير الوضع في القطاع ما دامت كانت هناك إمدادات تدخل بكميات كبيرة، وتوزّعها "حماس" على السكان، وتستفيد "حماس" من هذه العملية لتجنيد مزيد من المقاتلين. سيبقى دائماً مئات العناصر المقاتلة التي ستواصل القتال، حتى لو لم يكن لديها قيادة فعالة.
في أيّ اتفاق مع "حماس"، يجب أن يتمثل مطلبنا الوحيد في إعادة المخطوفين، لكن علينا، في مواجهة اللاعبين الآخرين، وبصورة خاصة الولايات المتحدة ومصر وقطر، أن نصرّ على أمر آخر: أن تسمح إسرائيل بإعادة إعمار غزة في حالة واحدة، هي أن يجري ذلك بالتزامن مع مشروع لنزع السلاح. إن غزة مدمرة تماماً، ولن تتمكن "حماس" من إعادة بناء قوتها، إذا لم يكن هناك مشروع ضخم لإعادة بناء القطاع، وعلينا ألّا نسمح بذلك من دون وجود آلية تدمر، منهجياً، ما تبقى من البنية التحتية العسكرية.
أعتقد أن هناك احتمالاً لأن يستفيق سكان غزة، لدرجة توصلهم إلى حالة تمرّد ضد "حماس"، لكن هذا لن يحدث ما دامت الحرب مستمرة، ما دامت قوات الجيش الإسرائيلي موجودة في القطاع. فالتمرد قد يحدث عندما يدرك السكان أن "حماس" تحول دون إعادة إعمار القطاع.
إن الحرب الهادفة إلى القضاء على تهديد ما، تُعتبر ضرورية وتبرر التكاليف العالية المرتبطة بها. لكن ليس هذه هي الحال في غزة. إذ تم القضاء على التهديد الحقيقي. بينما لا يمكننا تأجيل استعادة المخطوفين، فإذا ما تصرفنا بشكل صحيح، فلن تتمكن "حماس" من إعادة بناء قوتها. لذلك، علينا السعي لإنهاء القتال في غزة. نحن لدينا سبع جبهات أُخرى مفتوحة (بما في ذلك حدود الأردن). وآن الأوان لمحاولة إنهاء الحرب في كل مكان، حيث تفوق تكلفة الحرب الفائدة المرتجاة منها.
للأسف، إن الحكومة الإسرائيلية لا تعمل وفق هذا المنطق، حتى إنها لا تجتمع لمناقشة خيارَين رئيسيَّين: مواصلة الحرب في غزة حتى تحقيق "النصر النهائي"، أو الاستعداد لإنهاء الحرب في غزة في مقابل استعادة جميع المخطوفين.