يقدِّم المؤرِّخ والمفكِّر يوفال نوح هراري نظرةً ثاقبةً حول ما يسمِّيه " وهم المعرفة " في كتابه " 21 درسًا للقرن الحادي والعشرين " يجادل هراري بأنَّ البشر لديهم في الواقع معرفةً فرديَّةً محدودةً للغاية بالعالم من حولهم. ومع ذلك، فإنَّنا نعيش تحت وهم امتلاك معرفة واسعة، وهو ما يفسِّره هراري بأنَّنا نعتبر المعرفة الموجودة في عقول الآخرين وكأنَّها ملكنا.
يلخِّص هراري هذه الفكرة بقوله: " نحن نعتقد أنَّنا نعرف الكثير بينما نحن كأفراد نعرف القليل جدًّا، لأنَّنا نتعامل مع المعرفة في عقول الآخرين كما لو كانت لنا. " هذا الوهم له عواقب مهمَّة: فهو يمنحنا شعورًا خادعًا بالسَّيطرة وفهم العالم، وقد يؤدِّي بنا إلى المبالغة في تقدير قدراتنا الفرديَّة، كما أنَّه يخفي اعتمادنا على الآخرين والمعرفة الجماعيَّة.
تندرج هذه الأفكار حول وهم المعرفة ضمن النَّهج الشَّامل لهراري، الَّذي يهدف إلى التَّشكيك في يقيننا حول التَّاريخ البشريِّ ومستقبلنا. تسعى كتبه مثل " سابيني " و " هومو ديوس " إلى إثارة التَّفكير من خلال تحدِّي أفكارنا المسبقة حول تطوُّر البشريَّة والتَّحدِّيات الكبرى الَّتي تنتظرنا.
من خلال تسليط الضَّوء على حدود معرفتنا الفرديَّة، يدعونا هراري إلى التَّواضع والانفتاح على إعادة النَّظر في معتقداتنا. إنَّه يشجِّعنا على الاعتراف بأنَّ فهمنا للعالم أكثر تعقيدًا وترابطًا ممَّا قد نعتقد، وأن نكون أكثر حذرًا في افتراضاتنا حول ما نعرفه حقًّا.
في عالم يزداد تعقيدًا، تعدّ أفكار هراري حول وهم المعرفة تذكيرًا قويًّا بأهمِّيَّة التَّفكير النَّقديِّ والتَّعلُّم المستمرِّ. إنَّها دعوة للتَّواضع الفكريِّ وللاعتراف بقيمة المعرفة الجماعيَّة، مع الحفاظ على الوعي بحدود فهمنا الفرديِّ. في النِّهاية، قد يكون الاعتراف بما لا نعرفه هو الخطوة الأولى نحو الحكمة الحقيقيَّة.