نسبة هذا الولد إلى الحياة كنسبة الحُواة إلى الحمامة البيضاء التي يخرجونها من طرابيشهم أثناء العرض، لكنها تختفي بعد أن ينسحب الجمهور. يُفبرك الفرح كما تلملم أمه كل يوم مكونات صينية الكنافة وتظفر شعر العجين بطريقة غير معتادة هنا؛ تقول إنها تذكرها بكنافة أمها ولأنها تعوض بذلك عن ظفر جدائل بناتها اللواتي لم تمنحها براميل المتفجرات ما يكفي من الليالي الهنية بعد زواجها لإنجابهن.
أذكره مذ كان يتعثَّر في زقاق مسك بين السُّيَّاح والسُّكارى وينقر إيقاع المقسوم على الطَّبلة بيدي رضيع قبل أن يتعلَّم الكلام . بائعو خبز السَّميد والجي كفَّته يعدُّونه منهم لأنَّهم رأوه يولِّد على رصيفهم وقطعوا حبل سرَّته وعلموه أنَّ يتحدَّث لسانهم . كان معه أطفال آخرون اختفوا مع توالي السِّنين ، لعلَّهم تخرَّجوا من هذا الشَّارع ، أو ماتوا فقرًا أو وصلوا إلى أوروبَّا .
لكنَّ فوزي تعلُّم قراءة المواسم قبل الحروف . في الخريف يشوي الكستناء للرَّائح الغادي ، في الشِّتاء يبيع كروت اليانصيب ، في الرَّبيع يورِّط العشَّاق في الورود ، وبين هذا وذاك يطرقع الدَّربوكة بإيقاعات معقَّدة عندما يتحرَّك ما يكفي من سيَّاح عرب . ثمَّ الآن عثر على سبوبة جديدةً : ماتشات الكورة .
هذا المساء لبس قميص فنار بهجة ، الَّذي فاز بشيء ما ، كما يلبس قميص الخفاء . اليوم أقعده الجمهور المنتشي مقعد حبّ وانتبهوا إلى أنَّه طفل يشتغل في ساعة متأخِّرة من اللَّيل وتخاطف العشَّاق وروده وانهالت عليه مزَّات المواطنين . فوزي وأقرانه يدعون أن تكون كلُّ أيَّام النَّاس ماتشات لا تنتهي ويسمعون كلَّ النَّاس ما يودُّون سماعه عن مهارات فريقهم وعن جمال صديقاتهم وعن كلِّ شيِّ إلَّا عن رائحة الفسفور الَّتي أخرجت أهله من الغوطة .