في عالم البحث العلميِّ المعاصر ، نواجه معضلة متنامية تهدِّد أسس المنهجيَّة العلميَّة ووثوقيَّة الأبحاث المنشورة إنَّها ظاهرة " النَّشر أو الفناء " الَّتي تضيع الباحثين تحت ضغط هائل لإنتاج كمّ كبير من الأوراق البحثيَّة ، بغضِّ النَّظر عن جودتها أو أهمِّيَّتها الفعليَّة .
لقد أصبحت الجامعات تعتمد بشكل متزايد على معدَّلات النَّشر كمقياس لإنتاجيَّة الباحثين ، ممَّا يخلق بيئةً تنافسيَّةً ضارَّةً . فالعلماء الَّذين ينشرون عددًا أقلَّ من الأبحاث يجدون أنفسهم في موقف صعب ، مع تضاؤل فرص التَّقدُّم الوظيفيِّ والحصول على التَّمويل .
هذا الوضع يدفع ، للأسف ، بعض الباحثين إلى اتِّخاذ طرق مختصرة غير أخلاقيَّة . فقد شهدنا زيادة مقلقة في حالات الانتحال العلميِّ ، والتَّلاعب بالبيانات ، وحتَّى اللُّجوء إلى ما يسمَّى ب " مصانع الأوراق البحثيَّة " - وهي شركات تقوم بنشر أبحاث وهميَّة في مجلَّات مزيَّفة .
وفقًا لدراسة نشرها الدُّكتور نهام تران في مجلَّة " ذا كونفرسيشن " ، فإنَّ عدد الأوراق البحثيَّة المسحوبة يزداد بنسبة 23 % سنويًّا . وبينما يمكن أن يعزى جزء من هذه الزِّيادة إلى تحسُّن قدرة المجتمع العلميِّ على كشف الاحتيال ، إلَّا أنَّه من الواضح أيضًا أنَّ الضَّغط المتزايد على الباحثين يلعب دورًا كبيرًا في هذه المشكلة .
إنَّ هذه الأزمة تتطلَّب منَّا إعادة النَّظر في كيفيَّة تقييم الإنتاج العلميِّ . يجب علينا أن نركِّز على جودة الأبحاث وتأثيرها الحقيقيِّ ، بديلاً عن مجرَّد الكمِّيَّة . كما أنَّ على المؤسَّسات الأكاديميَّة أن تعيد النَّظر في سياساتها وأن تخلق بيئة تشجِّع على البحث الأصيل والابتكار ، بديلاً عن مجرَّد تكديس المنشورات .