هناك تصوران أساسيان يتعلقان بالمشروع النووي يثيران وسط الجمهور الإسرائيلي، وأيضاً لدى قيادته، كما يبدو، تأييداً جارفاً لاستغلال الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير على إسرائيل من أجل مهاجمة منشآتها النووية. لكنهما تصوُّران لا أساس لهما من الصحة، ويدلان على سوء فهم. وضعف هذين التصوّرين يلقي مياهاً باردة على الحماسة الإسرائيلية في هذا الشأن.
بحسب التصور الأول، المشروع النووي الإيراني هو عبارة عن نوع من منشأة، أو حاجز يمكن تدميره، أو تفكيكه بهجوم ناجح واحد، أو هجومين، بالطريقة التي جرى فيها تدمير المفاعل النووي العراقي في سنة 1981 بواسطة سلاح الجو الإسرائيلي، أو المفاعل السوري الذي دُمر في أيلول/ سبتمبر 2007 وبحسب التصور الثاني، تدل المسافة التي تفصل إيران عن القنبلة على أن الإيرانيين لم يستكملوا المطلوب من أجل إنتاج القنبلة. وهذان التصوران على خطأ من أساسهما.
لا يمكن النظر إلى المشروع النووي الإيراني من منظور أحادي. فالمقصود مشروع ضخم وأخطبوطي، تطور خلال عشرات السنوات إلى أن وصل إلى حجمه الحالي. والمنشآت النووية الإيرانية موزعة على عشرات المواقع الكبيرة والمركزية وبعض المنشآت الصغيرة المنتشرة على عشرات النقاط في شتى أنحاء الدولة (التي تبلغ مساحتها 70 ضُعف مساحة دولة إسرائيل)، مقارنةً بالمشروع النووي في إسرائيل الذي يتركز في منشأة مركزية واحدة في ديمونا.
المنشآت النووية الكبيرة في إيران تقوم بتخصيب اليورانيوم، والمنشآت الصغيرة تُجري الأبحاث والتطوير التي لها علاقة بمجموعات السلاح وعناصر عسكرية أُخرى. بعض المنشآت مخبأ تحت الأرض في نتانز وفوردو، بينما منشآت مجموعات السلاح موزعة ويمكن نقلها بسهولة.
ونظراً إلى حجم المشروع النووي الإيراني، لا توجد قوة عسكرية في العالم، حتى لدى الولايات المتحدة، قادرة على "تدمير"، أو "تفكيك" المشروع بهجوم واحد، أو بهجومين، مهما كانا كبيرين وناجحين. وبالتالي لا يمكن لإسرائيل أن تفعل ذلك. لكن إسرائيل قادرة على ضرب أهداف نوعية ومهمة في إيران، بينها أهداف نووية، لكنها لا تستطيع تفكيك المشروع النووي بحد ذاته، أو القضاء عليه.
في أفضل الحالات، تستطيع إسرائيل ضرب "عنق الزجاجة" الحساسة للمشروع، لكن حتى في هذه الحالة، يجب ألّا نخدع أنفسنا. فعلى الأرجح، تستطيع إسرائيل في ضربة واحدة أن تربح وقتاً، وبحسب الخبراء العسكريين، من المتوقع أن تؤخر المشروع عاماً، أو نصف عام، لا أكثر. وسيكون ثمن كسب الوقت هذا باهظاً، حرب استنزاف بين إسرائيل وإيران، تستمر أسابيع، وربما شهوراً. فهل تريد إسرائيل، أو هي قادرة على الدخول في مثل هذه الحرب؟
بالنسبة إلى التصور الخاطىء الثاني: يرى كثيرون أن إيران تقف على مسافة قصيرة جداً من القنبلة، لأنها لم تستكمل كل الأعمال المطلوبة من أجل إنتاجها. مَن يرى الأمور بهذه الطريقة، لا يفهم دينامية الصناعة النووية في إيران. يخطىء مَن يعتقد أن الإيرانيين لم يستكملوا إنتاج القنبلة لأنهم لم ينهوا الأعمال التقنية، وإن إيران لا تزال تتردد، على خلفية سياسية أو دينية، فيما يتعلق بإنتاج القنبلة والتحول إلى دولة نووية بكل معنى الكلمة. لو شاءت وقررت أن تكون دولة نووية، فإنها قادرة على الوصول إلى هدفها خلال وقت قصير. لكنها تفضل أن تكون دولة على عتبة النووي.
المغزى الدقيق لـ"دولة على عتبة النووي" ليست واضحة، أو متفق عليها بين الباحثين في المجال. هناك باحثون هم الأكثرية، بالنسبة إليهم، "عتبة النووي" معناها أنهم قريبون جداً من الإنتاج الكامل للقنبلة. بينما الآخرون، وبينهم كاتب هذه السطور، يعرّفون العتبة النووية بأنها نقطة الانتقال من شيء إلى شيء آخر. وفي تقديري، أن إيران قريبة من العتبة، ليس فقط من حيث حجم المواد الانشطارية التي تحتاجها القنبلة، بل هي قريبة أيضاً من ناحية الانتهاء من كل العمل على مجموعة السلاح. وفي تقديري، إيران اليوم على مسافة قريبة جداً من القنبلة، مسافة أسابيع، أو أيام فقط.
وهنا تأتي الحجة الثانية والأكثر أهمية ضد هجوم إسرائيل على المنشآت النووية في إيران. لن يعرقل مثل هذا الهجوم المشروع النووي في إيران كثيراً، ولن يدمره، أو يفككه، بل يمكن أن يكون الرسالة الأخيرة قبل اتخاذ إيران القرار السياسي بشأن التحول إلى دولة نووية بكل معنى الكلمة. في الماضي، أعلن الإيرانيون أنه إذا هاجمتهم إسرائيل، فسيغادرون اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، ويتحولون إلى دولة نووية، وأقترح عدم الاستخفاف بهذه التصريحات.
والمفارقة أن ما يشجع الإسرائيليين على الهجوم، أي الرغبة في منع إيران من أن تصبح نووية، هو الذي سيضمن أن تتخطى إيران العتبة، وتُجري تجربة، وتتحول إلى دولة نووية. إسرائيل ستردّ بالتأكيد بخطوة مشابهة، والصراع بين إسرائيل والمحور الإيراني سيصبح نووياً. وهذا السيناريو كارثي.
المصدر: هآرتس
المؤلف: أفنير كوهين