غالباً ما نفكر في التعاطف كفضيلة أخلاقية نبيلة، قادرة على تحسين علاقاتنا الإنسانية وحل النزاعات الاجتماعية. لكن هل هذه النظرة صحيحة تماماً؟ في كتابها الجديد "التعاطف والسياسة"، تقدم الدكتورة سما كراكي، عالمة الأعصاب المتخصصة، رؤية مثيرة للجدل حول هذه العاطفة الإنسانية الأساسية.
تعرّف كراكي التعاطف من منظور علم الأعصاب على أنه القدرة على التواصل ومشاركة عواطف وتجارب الآخرين. قد يكون هذا التعاطف بسيطاً كالعدوى العاطفية التلقائية، أو أكثر تعمداً حيث نضع أنفسنا في موقف الآخر. لكن المثير للاهتمام هو أن كراكي تكشف عن الجوانب المظلمة لهذه القدرة التي غالباً ما نعتبرها إيجابية بشكل مطلق.
أحد الاكتشافات المهمة التي تقدمها كراكي هي أن تعاطفنا يميل بشكل طبيعي نحو المقربين منا، مما يؤدي إلى تهميش الغرباء أو البعيدين عنا جغرافياً أو ثقافياً. هذا ما يسميه الصحفيون "تحيز الكيلومتر العاطفي". لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ تشير كراكي إلى أن تعاطفنا يتشكل أيضاً بناءً على المعلومات الخارجية التي نتلقاها عن الآخرين، مما يجعله عرضة للتلاعب والتوجيه.
تذهب كراكي إلى أبعد من ذلك لتقترح أن التعاطف ليس سبباً للسلوك الأخلاقي، بل نتيجة للعوامل الاجتماعية والسياسية. هذا يعني أن الطريقة التي نرى بها الآخرين - كأصدقاء أو أعداء، كمتساوين أو أقل قيمة - تحدد مدى تعاطفنا معهم. وهنا يكمن الخطر، إذ يمكن استغلال هذه الآلية في السياسة لتبرير العنف أو الظلم ضد مجموعات معينة.
تشرح كراكي أن ميلنا لتبسيط صورة الغرباء له أساس بيولوجي. فالتصنيف السريع للأشخاص والمجموعات يوفر الطاقة العقلية، كما أن تفضيل مجموعتنا الخاصة قد يكون له أساس تطوري. لكن هذه الآليات البيولوجية يمكن أن تقودنا إلى تحيزات خطيرة في عالمنا المعاصر المعقد.
في ضوء هذه الاكتشافات، تقترح كراكي أنه بدلاً من محاولة "تعليم" التعاطف بشكل مباشر، علينا التركيز على فهم تاريخ التمييز وآليات التحيز الاجتماعي. فقط من خلال إدراك هذه العوامل يمكننا بناء مجتمع أكثر إنصافاً وعدلاً، يتجاوز حدود تعاطفنا الطبيعية المحدودة.
في النهاية، تدعونا كراكي إلى إعادة النظر في فهمنا للتعاطف. فبدلاً من اعتباره بوصلة أخلاقية مثالية، علينا إدراك تعقيداته وتحيزاته. التحدي الحقيقي أمامنا هو كيفية توسيع دائرة تعاطفنا لتشمل أولئك الذين قد نراهم مختلفين عنا، وبناء مجتمع أكثر شمولية وإنسانية.