في قلب حي جانكايا بأنقرة، تقف مكتبة فريدة من نوعها تروي قصة إبداع وإلهام لا مثيل لها. منذ أكثر من ست سنوات، بدأت مجموعة من عمال النظافة مبادرة استثنائية لإنقاذ الكتب المصيرها الرمي في النفايات، وبدعم من البلدية التي وفرت لهم مساحة في مصنع قديم، تحول هذا المشروع البسيط إلى صرح ثقافي متكامل.
بدأت القصة عندما لاحظ عمال النظافة كمية الكتب القيمة التي يتم التخلص منها يومياً. وبدلاً من تركها للمصير المحتوم، قرروا جمعها وتنظيمها في مكتبة. ما بدأ كمبادرة صغيرة موجهة لعمال النظافة وعائلاتهم، تطور ليصبح مركزاً ثقافياً يخدم المجتمع بأكمله، يقدم خدمات الإعارة والقراءة في المكان وورش العمل المتنوعة.
أصبحت المكتبة ظاهرة وطنية، تجذب الزوار والتبرعات من جميع أنحاء تركيا. يقوم السكان المحليون بوضع كتبهم بالقرب من حاويات القمامة، مما يسهل على العمال جمعها وإضافتها إلى المجموعة المتنامية. تضم المكتبة اليوم مجموعة متنوعة من الكتب، تشمل الأدب التركي والعالمي والعلوم والأساطير وكتب الأطفال.
لم يقتصر تأثير المكتبة على توفير الكتب فحسب، بل امتد ليشمل تغيير النظرة المجتمعية لعمال النظافة. أصبح لديهم هوية جديدة ومصدر فخر، وتحولوا من مجرد جامعي نفايات إلى حراس للثقافة والمعرفة. كما أظهروا إبداعهم في إعادة تدوير الكتب التالفة، محولين إياها إلى قطع فنية وأثاث، وحتى أنهم شكلوا فرقة موسيقية تستخدم آلات مصنوعة من النفايات.
ومن أجل الوصول إلى المناطق النائية والمدارس المحرومة، قام العمال بتحويل شاحنة نفايات إلى مكتبة متنقلة، موسعين بذلك نطاق تأثيرهم الإيجابي. تقدم المكتبة خدماتها مجاناً، مما يجعلها مورداً قيماً خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة حيث قد تكون تكلفة الكتب باهظة.
تمثل مكتبة عمال النظافة في أنقرة نموذجاً ملهماً لكيفية تحويل النفايات إلى كنوز ثقافية، وكيف يمكن للمبادرات المحلية البسيطة أن تحدث تأثيراً عميقاً في المجتمع. إنها قصة نجاح تجمع بين الوعي البيئي والتنمية الثقافية والتماسك الاجتماعي، مؤكدة أن الإبداع والإصرار يمكن أن يحولا أبسط الأفكار إلى مشاريع تغير حياة المجتمعات.