مذكرات الاعتقال التي أصدرتها محكمة الجنايات الدولية في لاهاي ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف عالانت، تضع دولة إسرائيل في درك من الانحطاط الأخلاقي غير المسبوق، كدولة زعماؤها متهمون بجرائم خطِرة ضد الإنسانية وجرائم حرب بحق السكان الفلسطينيين في قطاع غزة.
المدعي العام في المحكمة الدولية كريم خان يحمّل نتنياهو وغالانت المسؤولية عن تجويع، ومنع المساعدة الإنسانية، والكهرباء والوقود والغذاء والمياه، وخصوصاً الدواء، عن مليونَي فلسطيني مسجونين في القطاع كلاجئين، بعد طردهم من منازلهم المدمرة. كما حمّلهما المسؤولية عن القتل المتعمد للمواطنين، وعن مقتل أطفال ماتوا جوعاً وعطشاً، بالإضاقة إلى أفعال أُخرى غير إنسانية.
لقد فشلت إسرائيل في نضالها الدبلوماسي والقانوني لمنع صدور مذكرات الاعتقال منذ مطالبة المدعي العام بإصدارها، وهو لم يتراجع عن طلبه حتى بعد التهم التي وُجهت إليه بالتحرش الجنسي.
ولم تفعل المنظومة القضائية الإسرائيلية والعسكرية والمدنية شيئاً لإزالة الشكوك الكبيرة، وامتنعت الحكومة من تشكيل لجنة تحقيق رسمية، في إمكانها الرد على ادعاءات المدعي العام. فضلاً عن عدم وجود استعداد سياسي في إسرائيل لمثل هذا الدفاع، وحتى لو حدث، فسيكون على الأرجح دفاعاً إجرائياً. إذ تواصل إسرائيل العمل في قطاع غزة بالأساليب عينها التي وردت في مذكرات الاعتقال، في الوقت الذي تعمل على تعميق قبضتها على الأرض، وتقوم بعملية تطهير إثني بحق السكان الفلسطينيين.
ومثلما هو متوقع، ردّ نتنياهوعلى المذكرات باتهام المحكمة بالعداء للسامية، وصوّر نفسه مثل "دريفوس" [الضابط الفرنسي اليهودي الذي وُجهت إليه تهمة الخيانة والتجسس لمصلحة ألمانيا في سنة 1895، على خلفية العداء للسامية، لتتضح بعدها براءته]، مثلما فعل في محاكمته الجنائية في إسرائيل. المسؤولون الرفيعو المستوى في المعارضة وقفوا صفاً واحداً مع الحكومة، وأيضاً الإدارة الأميركية المنتهية ولايتها والجديدة. ويأمل نتنياهو بأن ينقذه الرئيس الأميركي المنتخب ترامب من هذه المحنة بواسطة فرض عقوبات على المحكمة الدولية، وعلى قضاتها، وعلى المدّعين العامين فيها. في هذه الأثناء، سيضطر هو وغالانت إلى عدم الذهاب إلى الدول التي تحترم مذكرات الاعتقال، مثل فرنسا وهولندا.
لكن مشكلة إسرائيل ومشكلة كلّ إسرائيلي وإسرائيلية ليست في حرية سفر رئيس الحكومة وخصمه المُقال، بل في الأفعال الفظيعة التي تقوم بها حكومتهم وجيشهم، حسبما تصفهما مؤسسة قانونية دولية. أفعال يقف الجمهور الإسرائيلي، في أغلبيته، موقفاً لا مبالياً منها، ويتهم "حماس" بأنها ارتكبت "مذبحة" 7 أكتوبر في "غلاف غزة". بيْد أن ما ارتكبته الحركة لا يبرر ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة من قتل جماعي وطرد وتدمير.
كّنا نأمل بأن يثير إصدار مذكرات الاعتقال في لاهاي أسئلة في إسرائيل بشأن أخلاقية القتال المستمر في غزة. مع الأسف، الحكومة مدعومة من الرأي العام، ووسائل الإعلام، في أغلبيتها، ترفض أن تسمع، وهي تأمل بأن يسمح لها دونالد ترامب بالاستمرار في الأفعال التي تصفها المحكمة الدولية بأنها جرائم ضد الإنسانية.