يكشف تحليل علمي حديث عن تغير جذري في سلوك المشاة في المدن الأمريكية الكبرى، حيث أصبحت الشوارع مجرد ممرات للعبور السريع بدلاً من كونها فضاءات للتفاعل الاجتماعي. فالناس يمشون بسرعة أكبر ويتحدثون أقل مما كانوا عليه قبل أربعين عاماً.
وفقاً لدراسة نشرها المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية (National Bureau of Economic Research) وأوردتها بلومبرج في تقرير لها بتاريخ 23 يناير 2025، فإن فريقاً من الباحثين استخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل مقاطع فيديو قديمة من ثمانينيات القرن الماضي ومقارنتها بتسجيلات من عام 2010 في مواقع رئيسية في بوسطن ونيويورك وفيلادلفيا.
وأظهرت النتائج زيادة في سرعة المشي بنسبة 15٪، وانخفاض وقت التوقف في الأماكن العامة إلى النصف. ويعزو الباحثون هذا التغيير إلى عوامل متعددة، منها ارتفاع قيمة الوقت في المجتمع المعاصر، وانتشار الهواتف المحمولة التي غيرت أنماط التواصل الاجتماعي.
وتحذر الباحثة الرئيسية أريانا سالازار-ميراندا من أن هذا التحول يهدد جوهر الحياة المدنية، حيث أن اللقاءات العفوية في الشوارع كانت دائماً مصدراً للإبداع والابتكار والتطور الاجتماعي والاقتصادي. فالتفاعلات في الأماكن العامة تتيح فرصاً للقاء أشخاص من خلفيات متنوعة، على عكس الأماكن الخاصة مثل المقاهي التي تجمع عادةً أشخاصاً من خلفيات متشابهة.
ورغم الجهود المبذولة لتحسين المساحات العامة وتقليل حركة السيارات، تظل المشكلة قائمة. فحتى في المناطق الخالية من السيارات مثل داون تاون كروسينج في بوسطن، استمر تراجع التفاعل الاجتماعي. وتؤكد الدراسة أن إعادة إحياء الشوارع كفضاءات اجتماعية يتطلب أكثر من مجرد تحسينات في البنية التحتية، بل يحتاج إلى تغيير في الثقافة الحضرية المعاصرة وإعادة النظر في كيفية استخدامنا للفضاء العام.