في أحدث إصدارات مجلة "بوفوار" ، يسلط الأمير مولاي هشام العلوي الضوء على إشكالية مزمنة تعانيها المنطقة العربية: فشل النماذج التنموية تحت هيمنة الأنظمة السلطوية. الدراسة التي تعمق محاضرة ألقاها في معهد العلوم السياسية بباريس تكشف كيف حوّلت النخب الحاكمة الاقتصاد إلى أداة لترسيخ هيمنتها بدل أن يكون محركًا للتحرر.
تشير التحليلات إلى أن 67% من سكان العالم العربي تحت سن الثلاثين يعيشون على هامش اقتصاديات هشة، حيث تصل نسبة البطالة بين الشباب إلى 25% في المتوسط. الأرقام الصادمة لا تعكس فقط إخفاق السياسات الاقتصادية، بل تكشف التناقض الجوهري بين خطط التحديث وغياب الإرادة السياسية للإصلاح الحقيقي.
تتخذ الأنظمة العربية ثلاث مسارات متباينة: دول الخليج تعتمد على مشاريع ضخمة مثل "نيوم" السعودية التي تستنزف 500 مليار دولار، بينما تترنح اقتصادات مصر والأردن تحت وطأة الديون الخارجية التي تجاوزت 92% من الناتج المحلي. أما المغرب فيحاول خلق توازن هش عبر استثمارات في الطاقة المتجددة والصناعات التكنولوجية، لكنه يواجه تحديًا جوهريًا في الثقة بين المواطن والدولة كما يظهر الباروميتر العربي 2022.
المفارقة الأكثر إيلامًا تكمن في النموذج الخليجي المزدوج: بينما ترفع دبي شعارات الابتكار، تعتمد 78% من تمويلاتها على عائدات النفط. المشاريع العملاقة تبقى حبيسة رؤى نخبوية تكرس الفجوة الطبقية، حيث تصل تكلفة السكن في الرياض إلى 40% من دخل المواطن العادي مقابل 15% فقط للنخبة.
التجربة المغربية تقدم درسًا مركبًا: رغم تحقيق نمو نسبي في قطاعات مثل الطاقات المتجددة (تشكل 37% من المزيج الطاقي)، إلا أن الاقتصاد الموازي لا يزال يمتص 30% من النشاط الاقتصادي. "الملك محمد السادس يحاول خلق توازن عبر مشاريع كالقمر الصناعي "محمد السادس-أ"، لكن غياب الإصلاح السياسي يهدد باستمرار دوامة عدم الاستقرار".
الدراسة تؤكد أن الحل الوحيد يكمن في الربط الجدلي بين الإصلاح الاقتصادي والديمقراطية، مستشهدة بتجربة البرازيل التي قفزت من المرتبة 15 إلى السابعة عالميًا في الناتج القومي بعد تحولها الديمقراطي. النخب العربية مدعوة لإعادة قراءة التاريخ: الثورات العربية لم تكن سوى القشرة الظاهرة لبركان الغضب المتراكم من عقود من الوعود المعسولة.
كما يوضح الأمير العلوي في تحليله اللاذع: "الاقتصاد العربي يتحول إلى ساحة معركة خفية، حيث تُحوّل التنمية إلى أداة للسيطرة بدل التحرر". خلاصة الدراسة تحذر من أن المنطقة تقف على مفترق طرق: إما انتقال ديمقراطي حقيقي أو انفجار اجتماعي جديد قد يكون أعنف من سابقه.
للاستزادة: رابط الدراسة الكامل بمجلة بوفوار – حساب الأمير مولاي هشام