فعل دونالد ترامب هذا الأسبوع ما يطيب له أن يفعله: ان يبقي الجميع في صدمة. لكنه فعل هذا مع قول أساسي صحيح لدرجة الألم. فلماذا يبقى الفلسطينيون في غزة اذا كانت هذه مكانا رهيبا بهذا القدر، لا يلحق بهم الا المعاناة والموت. في أماكن مشابهة في العالم يوزع اللاجئون على الدول التي توافق على استيعابهم، وعندها يحاولون إعادة تأهيلهم. ترامب في واقع الامر تحدى الفكرة الفلسطينية الأساسية التي تحاول تخليد وضعية اللجوء والمسكنة منذ 1948، وكثير من الدول الغربية أخطأت بقبولها، ذرف دمعة وغض النظر عن الإرهاب والملاطفة.
لكن هذا الحدث كان كل شيء غير ما بدا عليه. قبل الدخول الى تحليل معمق للمؤتمر الصحفي الدراماتيكي في واشنطن يجدر بنا أن نذكر شيئا آخر حصل منذ وقت غير بعيد. في الأول من تموز 2020 كان يفترض بإسرائيل أن تضم مناطق يهودا والسامرة، هكذا على الأقل حسب اعلان نتنياهو قبيل احدى جولات الانتخابات. عمليا الضم لم يحصل، واتفاقات إبراهيم وقعت في 15 أيلول 2020، بعد شهرين ونصف من ذلك. بمعنى – لاجل الوصول الى اتفاق سلام، تخلوا عن شيء ما اعلنوا عنه فقط، تحققه معقد حتى الموت، كما أنه لم يحصل ابدا.
الكثير من الأسئلة تعتمل تحت سطح المؤتمر الصحفي اللامع الذي طحن حتى اصبح دقيقا في كل وسائل الاعلام في العالم. لكن الأسئلة الحقيقية ستجد حلها فقط بعد أن يتسرب غبار النجوم قليلا. فقد القى ترامب قنبلة صوتية: موقف بداية مجنون قبيل المفاوضات مع السعودية ودول عربية أخرى. سيكون مشوقا أن نرى لاحقا ما هي نيته الحقيقية وكذا اين تقف الإدارة الحالية بالنسبة لقطر. فهي داعمة للارهاب لكنها حليفة أيضا. وسنرى هل سيعمل ترامب على تغيير اللعبة المزدوجة للامارة ام ان هكذا أيضا سيبقى الحال.
في كل الأحوال، يجدر بنا نحن الإسرائيليين الا نتخدر بالافيون الذي حقن به الشعب. يمكن ان نبتسم، لكن ان نتذكر أيضا ان في العصر الحالي من المهم الا ينجرف المرء وراء العناوين اذ ما يكمن تحتها في الظلام هو في الغالب اهم بكثير. العناوين هي صرف للاهتمام عن الأفعال نفسها.
في المستوطنات يحتفلون وهذا يعني أن بتسلئيل سموتريتش لم يغادر الحكومة بهذه السرعة، حتى حين تنفذ المرحلة الثانية من صفقة المخطوفين، مع تحرر المخربين ذوي الكثير من الدم الإسرائيلي على الايدي ونهاية الحرب. كما يعني ان ايتمار بن غفير سيندم على مغادرة الحكومة ويأمل في أن يعود الى مسرحيات التهريج على حساب الامن القومي لنا جميعا والذي يوجد في ترد حاد.
إضافة الى ذلك، تماما قبل اللقاء المغطى إعلاميا جلس وزير الدفاع إسرائيل كاتس في لجنة الخارجية والامن، في محاولة أخرى لاجازة قانون تملص مطلي بالعسل والتظاهر بالتجنيد. التوقيت ليس صدفة. في هذه اللحظة لا يدور الحديث عن عقوبات شخصية على الفارين الحريديم و “تجنيد” كاتس يتضمن تطوعات مدنية وسيتم بارتياح وتدريج الى ان نصل الى الخلاص بعد نحو 14 سنة. أي لن نصل ابدا.
المشاكل بقيت مفتوحة
لقد بتنا جميعا مجربين للاحابيل الإعلامية ويجدر بنا أن نستوعب كيف تسير الوسائط الإعلامية في العالم الحديث وكيف تستغل في السياسة. الضجيج والعناوين الرئيسة هي خلفية. ومع ذلك، حصل هنا شيء آخر. بمجرد قول ترامب وحقيقة أن كل العالم فجأة يشعر حاجة للبحث فيه يوجد انجاز. ترامب حطم رواية الملاطفة للفلسطينيين الموجودة منذ سنوات طويلة في الغرب لكنها أصبحت مخادعة تماما، وخاصة بعد 7 أكتوبر. في هذه الرواية لا يوجد حقا أي شيء انساني. فويل حقا لعالم يعوض جماعة اختارت الذبح والاغتصاب بسبب تطلعاتها القومية.
ولا يزال، حتى لو كنا متفائلين وبنينا على تنفيذ كل صفقة المخطوفين واتفاق تطبيع مع السعودية، في هذا لن تنتهي مشاكلنا. هذا الأسبوع نشر بحث عالمي شامل اظهر بان مكانة إسرائيل تدهورت في السنة الأخيرة من المرتبة 40 المنخفضة من اصل 50 دولة الى المرتبة 49. التدهور هو انجاز نبع من عمل كد قامت به السلطة الفلسطينية وحماس باسناد الدول العربية واساسا قطر. وهذه شقت طريقها الى قلب مؤسسات علم غربية ولوثت اسم إسرائيل بمنهاجية مع شبكة “الجزيرة”.
نحن نعيش في عالم تغير جوهريا في العقد الأخير، واساسا بسبب ثورة الشبكات الاجتماعية التي حطمت كل ما عرفناه عن الاعلام الجماهيري. تأثير الطريق الجديد الذي نتصل فيه الواحد بالاخر في العصر الحالي هائل. بعض من التداعيات كانت تطرف شديد واستقطاب – وهذا يتضمن ما رأيناه من العالم في سياق إسرائيل. شهدنا تطرفا شديدا لكل ما كان اشكاليا في صورتنا الدولية الى أن اجتاز كل حدود منطقية.
ليس منطقيا مثلا ان ينصدم “خبراء” محترمون من الاكاديميا، من الصحافة، من الأمم المتحدة ومنظمات الحقوق حتى أعماق ارواحهم من إمكانية جرائم ضد الإنسانية تقع من الخطة الرائعة لترامب ولا ينصدمون بجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها حماس. فقد ارتكبت جرائم رهيبة ضد إسرائيليين وضد غزيين أيضا وتواصل ارتكابها هذه الأيام وهي تخطط لجولة أخرى.
شيء ما في هذه الرواية المخادعة يجب أن يتغير، ولاجل تغييره القى ترامب بقنبلة صوت الى الغرفة. لكن إسرائيل لا يمكنها أن تعتمد على هذا الرئيس او ذاك حتى لو كان هذا ترامب، كي تعالج هذه المشكلة بعمق. فقد التقطت لرجال الأمم المتحدة هذا الأسبوع صورا من غزة مع حسن عسلية، “مصور صحافي” معروف منذ الان كذراع دعاية لحماس، دخل الى إسرائيل مع مخربين في 7 أكتوبر ووثق نفسه على خلفية اختطاف الجثث. الأمم المتحدة كانت دوما هاذية لكن في عصر الشبكات الاجتماعية تجر وراءها عقدة من منظمات حقوق محبة للاعجابات من ناحيتها هي “هيئة مصداقة وحيادية” رغم انه لم يعد لهذا التعريف أي أساس في الواقع.
الفرق بين موقف العالم من غزة وموقفه من الميليشيات في العراق، الكارثة في سوريا أو الحكم الإيراني، ينبغ من شدة الدعاية. حماس تنجح في أن تقف على الارجل ليس بسبب هزيمة عسكرية لإسرائيل بل بسبب هزيمة إعلامية لإسرائيل امام ذراعها الدعائي الناجح. حان الوقت لان نعترف بهذا.
إسرائيل علقت في استقطاب، لكن هدفنا هو ان نعود لنكون في الاجماع. صحيح أن ترامب يساعدنا في هذه اللحظة لكنه لن يبقى هنا الى الابد. طالما كان قسم هام من معاقل القوة في العالم الغربي يواصل ملاطفة وعي الإرهاب بدلا من الايضاح بانه لن يؤيد الإسلام العنيف والمتخلف، فان نصرنا العسكري سيكون ناقصا.
ليس كل شيء معوجا
بالنسبة للوعي في العصر الحديث – في الشبكات ينتشر فيلم فكاهي عن “اعلان ذهبي واحد والعودة الى تحرير المخطوفين. من هو المخطوف الذي سيعود اليوم؟ من هو، من هو، من هو!”. الشريط مضحك لانه صحيح – نحن نعيش في برنامج تلفزيوني، كشف شخصي في الشبكات، مؤثرين ذوي رأي ومقدمي اخبار يشرحون بان المخطوفين العائدين من الجحيم في غزة يحتاجون لخصوصيتهم فيما انهم هم انفسهم ينقلون اخبارهم بهوس.
رغم النقد من الواجب القول اذا كان لا بد من برامج ترفيه تلفزيونية، ثمة شيء ما صحيح جدا في أن المشهورين الجدد لإسرائيل هم المخطوفون وليس مؤثرين من أنواع أخرى. في عالم تشعر فيه عائلات المخطوفين بان الحكومة لا تأبه بهم سواء لاعتبارات سياسية أو لمحاولة الحصول على شيء ما في المفاوضات ثمة شيء ما صحيح في أنهم هم من يحصلون على مئات الاف المتابعين في وسائل الاعلام. هم الابطال الحقيقون في اسرائيل الى جانب 12 الف جريح من الجيش ممن ضحوا كثيرا، وبالطبع العائلات الثكلى.