"يكثر الحديث عن أن رئيس الوزراء 'كاذب'، ولكن 'الكذب' ليس صفة قائمة بذاتها. فالكذب المزمن هو سلوك عرضي يشير إلى وجود مشكلات نفسية عميقة.
في حالة رئيس الوزراء، فإن الأكاذيب تشكل تعبيرًا ضروريًا وغير منفصل عن متلازمة معروفة: فالسلوك الطبيعي للإنسان يتميز بتوازن معين بين الاهتمام بالاحتياجات والطموحات الشخصية وبين مراعاة احتياجات الآخرين والمجتمع. أما لدى الأشخاص الذين يعانون من المتلازمة التي يعاني منها نتنياهو، فإن الصفة التي تجعل الإنسان كائنًا اجتماعيًا – أي الإحساس بالآخرين – لم تتطور لديهم. لذلك، فإن احتياجات الآخرين والمجتمع لا تشكل جزءًا من اعتباراتهم في اتخاذ القرارات.
من هنا يأتي الغموض الذي يعيشه الجمهور منذ تولي نتنياهو السلطة، حول السؤال: ماذا يريد سياسيًا؟ الجواب هو أنه يريد أن يكون رئيس وزراء. تساءل الناس عما إذا كان يؤيد أو يعارض الاتفاقيات، وما إذا كان يريد تنفيذها أم لا. والإجابة البسيطة هي: He couldn’t care less، أو بالعربية: هذه الأسئلة لا تعنيه إطلاقًا. ما يريده هو البقاء في منصب رئيس الوزراء، والحفاظ على الاحترام والقوة، والعيش حياة مريحة.
الأشخاص الذين يعانون من هذه المتلازمة يتميزون بالآتي:
علاقتهم بالقوانين: الشخص الطبيعي يعرف القوانين الأخلاقية ويدرك أنها تلزمه شخصيًا. الشخص المصاب بمرض نفسي لا يعرف القوانين ولا يفهمها، وبالتالي لا يدرك أنها تنطبق عليه. أما من يعانون من هذا الاضطراب، فهم يعرفون القوانين ويفهمونها، لكنهم يعتقدون أنها تنطبق فقط على الآخرين.
أهمية كبيرة للهيبة والمكانة الاجتماعية: لديهم مفاهيم طفولية حول معنى أن يكون الشخص مهماً. ما يريده شخص كهذا حقًا ليس أن يكون رئيس وزراء، بل أن يكون ملكًا، بحيث يحظى هو وعائلته بالاحترام دون الحاجة إلى إثبات ذلك بأفعال أو الحصول عليه من خلال الانتخابات. من هنا تأتي رغبته الكبيرة في السفر مع زوجته وأطفاله وحاشيته.
إدراك مشوّه للواقع: فهم لا يدركون تمامًا العلاقة بين الكلام والأفعال. ليس من حيث الفهم العقلي، ولكن من حيث الفهم العاطفي. بشكل عام، يكون لدى هؤلاء الأشخاص ذكاء عقلي مرتفع، ولكن ذكاءً عاطفيًا منخفضًا. عندما كانوا أطفالًا، تعلموا أن الأهم هو ما يقولونه (قل آسف بطريقة لطيفة ووعد بعدم تكرار ذلك)، وليس ما يفعلونه.
ضعف في إدراك الزمن: هم مشغولون فقط بالحاضر، وتعاملهم دائمًا مع المواقف يكون بشكل آني، والهدف هو إزالة الضغوط والتهديدات الشخصية فورًا. الطريقة التي يتعاملون بها مع ذلك هي قول ما يريد الآخرون سماعه (وليس الفعل). يتميزون بإبداع عبقري في هذا الأمر. سمة مثيرة للاهتمام لهؤلاء الأشخاص، التي تشير إلى ضعف في الحكم على الواقع، هي أنهم – على عكس الكذاب العادي – لا يقلقون من كشف التناقض بين كلامهم والواقع، أو بين كلامهم في الصباح وكلامهم في المساء. وعندما يُكشف التناقض، فإنهم يردون بنفس الطريقة مرة أخرى، بقول شيء يبدو أنه يحل المشكلة فورًا. يفتقرون تمامًا إلى الرؤية الشاملة طويلة المدى.
عدم القدرة على بناء علاقات عاطفية عميقة وحقيقية ودائمة: العلاقة التي تجعل مصالح الآخرين مهمة بقدر مصالح الذات. ومن هنا يأتي الغياب المطلق للولاء، حتى للأقربين منهم. يرون أنفسهم كأفراد، والآخرين كأعداء أو كأعداء محتملين (آلية الإسقاط تجعلهم مقتنعين بأن الآخرين أيضًا مشغولون فقط بمصالحهم الشخصية).
الكارثة هي أن هؤلاء الأشخاص غالبًا ما يكونون كاريزماتيين، ويملكون قدرة إقناع وتأثير هائلة، وموهبة عبقرية في الإبهار والتلاعب (وهذا ما تستثمر فيه كل طاقاتهم العقلية). يمكن للناس أن يشعروا عبر 'الفطرة السليمة' بأن هناك شيئًا غير صحيح بشأن هذا الشخص البارز والناجح، ولكن ليس على الفور. يستغرق الأمر وقتًا. ببطء، تتراكم في محيط هؤلاء الأشخاص مشاعر غضب وانزعاج متزايدة، والتي تظهر في النهاية عندما يدرك الجميع فجأة أن الملك ليس فقط عاريًا، بل إنه ضار أيضًا. (هو ليس مذنبًا بذلك ولا يستحق العقاب، لكنه ببساطة غير مناسب لمنصبه).
السؤال هو دائمًا: كم من الضرر سيتسبب فيه شخص كهذا لأسرته (خيبة أمل عاطفية عميقة للمقربين)، أو لشركائه (خسائر مالية بسبب أعمال احتيالية)، أو لشعبه وبلده، وربما للعالم بأسره، قبل أن يدرك المعنيون أنهم يتعاملون مع شخص يعاني من اضطراب عميق في الشخصية، ويجب الحذر منه كما يُحذر من النار؟