ما وراء "جنون" القادة: حين يصبح التحليل النفسي بديلاً عن فهم السياسة

أضيف بتاريخ 04/12/2025
منصة المَقالاتيّ


في مكتب فخم بالقاهرة، يجلس محلل سياسي شاب أمام شاشة التلفاز، يستمع إلى تصريحات أحد رؤساء دول شمال إفريقيا. يدوّن ملاحظاته: "نرجسي"، "مضطرب"، "خارق للعادة"، "غير متزن"... هذا المشهد يتكرر يومياً في العواصم العربية والإفريقية، حيث أصبح التحليل النفسي المبسط أداة رائجة لتفسير التحولات السياسية المعقدة.

في السودان، تناقش وسائل الإعلام شخصيات القادة العسكريين وسماتهم النفسية أكثر من مناقشة برامجهم السياسية وتحالفاتهم الاقتصادية. في تونس، يتحول النقاش حول القرارات السياسية إلى تحليل نفسي للقيادة. وفي نيجيريا، تختزل التحولات الاقتصادية العميقة في تصرفات الرئيس وحالته المزاجية.

لكن هذا التبسيط يحجب حقائق أعمق. فخلف كل قرار "غير منطقي" تقف شبكة معقدة من المصالح الاقتصادية والتحالفات السياسية. في مالي، على سبيل المثال، لا يمكن فهم التحول في العلاقات مع فرنسا من خلال "مزاجية" القيادة العسكرية، بل عبر فهم التحولات الجيوسياسية العميقة في المنطقة.

عندما نختزل السياسة في التحليل النفسي، نفقد القدرة على فهم التحولات الحقيقية في مجتمعاتنا. الأزمات الاقتصادية والاجتماعية لا تنشأ من اضطرابات نفسية للقادة، بل من سياسات وقرارات مدروسة تخدم مصالح محددة.

في جنوب إفريقيا، تكشف دراسة حديثة أن 70% من التحليلات الإعلامية للقرارات السياسية تركز على الجوانب النفسية والشخصية للقادة، متجاهلة العوامل الاقتصادية والاجتماعية الأساسية.

نحتاج إلى العودة إلى التحليل السياسي والاقتصادي الرصين. فهم البنى الاجتماعية والاقتصادية أهم بكثير من تحليل شخصيات القادة.