اكتسب الصراع العنيف بين إنكلترا وفرنسا في فترة العصور الوسطى اسمه الأسطوري بسبب طابعه المستمر، وتسلسل المعارك والهدنات، والجمود القيادي، الذي أدى إلى الخراب وقلة الإنجازات التي يمكن التفاخر بها. وتُعتبر "حرب المئة عام" أحد النزاعات التكوينية في تاريخ أوروبا، وشكّلت أساساً لمفاهيم حديثة تربط الحرب بالسلام، كتلك التي طرحها فون كلاوزفيتز، الذي يُعد أبرز المنظّرين العسكريين في التاريخ ("الحرب ليست سوى امتداد للسياسة بوسائل أُخرى").
ومن العصور الوسطى إلى أيامنا هذه، في خطابه المسجّل، وهو نوع مفضل بصورة خاصة لرئيس حكومتنا، الذي يهرب من وسائل الإعلام كما لو كانت ناراً، في تعبير إضافي عن الروح المناهضة للديمقراطية، والتي تلقّت هذا الأسبوع دعماً في الإفادة الصادمة لرئيس الشاباك، سعى نتنياهو إلى إنكار المبادئ الأساسية التي شكّلت الفهم الحديث لقيود القوة العسكرية وأهمية "العمل السياسي"، وذلك في سعيه نحو حرب المئة عام ضد حركة "حماس". وكل ذلك، عبر تجاهل اعتبارات كانت حتى وقت قريب في صلب العقيدة الأمنية الإسرائيلية، كضرورة خوض حروب قصيرة تحقق حسماً سريعاً، وتسعى لإيجاد آلية إنهاء للحرب، وتحسن الواقع الأمني، مع الأخذ في الحسبان عبء قوات الاحتياط والآثار الثقيلة التي تتركها الحرب في الاقتصاد الإسرائيلي ("اقتصاد الجزيرة").
لكن إلى جانب الصعوبات المنهجية الناتجة من استمرار الحرب في قطاع غزة، فإن أقوال رئيس الحكومة لا تشير فقط إلى فقر فكري (اعتبار "حرب أبدية" المخرج الوحيد من "مجزرة" 7 تشرين الأول/أكتوبر)، بل أيضاً إلى تفكير دوغماتي لا يتماشى مع التطورات الميدانية (تحوُّل "حماس" من منظمة "إرهابية" شبه عسكرية إلى تنظيم حرب عصابات، ومحدودية القوة العسكرية في استعادة الأسرى)، والواقع الجيو - استراتيجي المتغير (تحوُّل الانتباه الأميركي إلى ساحات أُخرى، وازدياد النقد الدولي تجاه إسرائيل)، بالإضافة إلى قيود خارجية (كتآكل منظومة الاحتياط). كل ذلك يدلّ على مدى تآكل الحكمة السياسية التي ميّزت في الماضي البعيد رئيس الحكومة نتنياهو، ومدى وقوعه في كماشة القيود العائلية، والجنائية، والائتلافية (بهذا الترتيب)، بينما يُدفع الأسرى إلى أدنى سلّم الأولويات في مقر رئيس الحكومة في بلفور.
وعلاوة على ذلك، فإن ادعاء إمكان القضاء على تنظيم "حماس" "الإرهابي" يدل، في الحد الأدنى، على عدم فهم لعمق النسيج الاجتماعي الفلسطيني؛ فـ "حماس" تمثّل فكرة إسلاموية، وجهادية، ودموية، ومسيانية، تستند إلى أيديولوجيا الإخوان المسلمين. وحتى في حال تجريد "حماس" من قدراتها العسكرية، فإن فكرة "المقاومة" ستظل متجذرة في قلب الوعي الجمعي الفلسطيني، وستشكّل حجر عثرة أمام أي محاولة للتوصل إلى تسوية مستقبلية، سواء في القطاع أو في الضفة الغربية.
وبالعودة إلى المسار، فإن المفاوضات لاستعادة أسرانا قد شهدت صعوداً وهبوطاً، وهي في الواقع عملية ديناميكية ومتغيرة، خاضعة لتطورات داخل العملية نفسها، وفي الإقليم، وكذلك داخل قيادة "حماس" في ظل التغيرات في صفوف كبار القتلة.
ومع أن قطاع غزة سُحق بشدة على يد الجيش الإسرائيلي، فإن "حماس" لا تزال متمسكة بمواقفها التي أشرنا إليها بين الأسطر في الأشهر الأخيرة، والتي فحواها أن استعادة جميع الأسرى لن يتم إلاّ بشرط إنهاء الحرب.
أمام هذا الواقع الثابت، يتضح أن "مقترح ويتكوف" بنسَخه المتعددة لا يُتوقع منه أن يفضي إلى إنجاز المهمة المتمثّلة في استعادة جميع الأسرى. وفي هذا السياق، يبدو أن الفقر الفكري الذي يواجهه رئيس الحكومة نتنياهو على المستوى المنهجي في إدارة المعركة، وكذلك نهجه المناهض للديمقراطية، ينعكسان أيضاً في عالم المفاوضات.
فعلى الرغم من أن المفاتيح الأساسية لتقدّم العملية واضحة ومتاحة للطرفين (كالإفراج عن الأسرى الأمنيين)، فإن الجمود الذهني الناتج من حاجة وجودية - سياسية إلى البقاء يعطّل أي إمكان لإدارة نقاش نقدي ومهني بشأن البدائل المتاحة أمام المنظومة.
وعلاوة على ذلك، فإن تهميش رجال التفاوض وإقصاءهم من العملية لمصلحة الوزير ديرمر، المبعوث التوأم السرّي لنتنياهو، يُعد بدوره تجلّياً للركود الذي يخيّم على المسار، بينما أسرانا يذبلون، وللأسف الشديد، في الأسر ".
وفي ظل هذا الوضع القاتم، تقع علينا مسؤولية ضمان بقاء قضية الأسرى في صميم الأجندة المحلية والدولية، ليعود الأبناء إلى ديارهم، وكل ساعة تمرّ تُعد أثمن من سابقتها.
حرب أبدية: هذا هو الهدف الذي يسعى له نتنياهو
أضيف بتاريخ 05/01/2025
ضابط احتياط آفي كالو | يديعوت أحرونوت