بدلاً من الاستمرار في التمسك بمقترحات غير واقعية، مثل تطبيق النموذج الليبي، أو انتظار اقتناع ترامب بضرورة شن هجوم عسكري قد لا يحدث البتة، يتعين على إسرائيل التفكير بجدية، مرة واحدة وإلى الأبد، في ماهية "صفقة جيدة" مع إيران، تبعدها بصورة كبيرة عن قدرتها على إنتاج سلاح نووي.
لم يكن من الصعب ملاحظة الدهشة التي اعترت رئيس الوزراء الإسرائيلي في أثناء جلوسه في البيت الأبيض إلى جانب الرئيس الأميركي دونالد ترامب لدى إعلانه استئناف المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران. في الحقيقة، كانت هذه المفاجأة مفهومة، في ضوء التوقعات الكبرى التي ظهرت في إسرائيل عقب انتخاب ترامب رئيساً في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. يبدو أن التفكير السائد كان أن الولايات المتحدة ستهاجم إيران، أو على الأقل، ستدعم هجوماً إسرائيلياً على منشآتها النووية، مستغلةً الضعف الكبير للنظام في طهران نتيجة إلإنجازات التي حققتها إسرائيل في المواجهة ضد محور المقاومة، والهجوم الإسرائيلي على إيران في 26 تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي.
من الواضح أن إسرائيل تعارض إجراء مفاوضات مع طهران. والموقف الإسرائيلي، عشية المفاوضات بين المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عراقجي، والداعي إلى "تطبيق النموذج الليبي في إيران"، أي تفكيك إيران لبرنامجها النووي بالكامل، هو موقف غير واقعي، ولهذا السبب، تخلّت الولايات المتحدة أيضاً عن هذا الشرط خلال مفاوضاتها مع طهران.
إن الموقف الإسرائيلي المتشدد من الاتفاق مع إيران له ثمن باهظ تعلمته إسرائيل من تجربتها خلال المفاوضات بشأن الاتفاق النووي السابق في سنة 2015. فعندما ترفض أيّ اتفاق مع إيران، أو تطرح مطالب غير واقعية، تجد نفسك، ببساطة، "خارج الغرفة"، وتتراجع قدرتك على التأثير في المفاوضات بشكل كبير.
من الواضح أن أيّ اتفاق مع إيران هو اتفاق إشكالي، ولا سيما التسهيلات الاقتصادية الكبيرة التي ستحصل عليها طهران عند توقيع الاتفاق، والتداعيات على شرعيتها الدولية، بحيث سيكون من الصعب إطاحة النظام مستقبلاً. ومع ذلك، قد تجد إسرائيل نفسها مرة أُخرى، مثلما حدث في سنة 2015، إزاء وضع تفقد فيه تأثيرها في الاتفاق الذي سيبلور مستقبل البرنامج النووي الإيراني أعواماً طويلة. علاوةً على ذلك، وفي ضوء الاعتماد على إدارة ترامب، إذا جرى توقيع الاتفاق، فإن قدرة إسرائيل، لاحقاً، على التأثير في علاقة الإدارة الأميركية بإيران ستكون ضعيفة.
لذلك، في ضوء هذه المعطيات، من الأفضل لإسرائيل أن تتخلى عن موقفها غير الواقعي بشأن تطبيق النموذج الليبي، وأن تعترف أنه في حال تقدمت الولايات المتحدة نحو اتفاق مع إيران، فإن احتمال تنفيذ هجوم عسكري سينخفض بشكل دراماتيكي، وسيكون عليها التفكير بواقعية في ماهية "الاتفاق الجيد" مع إيران الذي يمنعها، فعلاً، من امتلاك سلاح نووي. صحيح أن النظام في طهران سيظل يشكل تهديداً لإسرائيل، حتى من دون امتلاكه السلاح النووي، لكنه لن يكون تهديداً وجودياً، وخصوصاً مع ضُعف قوة الوكلاء، ولا سيما حزب الله، الأمر الذي أضعف قدرة هذا النظام على إلحاق الأذى بإسرائيل.
في موازاة هذا التفكير، من المهم تعزيز التنسيق العسكري مع الولايات المتحدة، تحسّباً لانهيار المفاوضات، والحفاظ على خيار عسكري موثوق به ضد طهران. إلّا إن إسرائيل لا تستطيع بناء سياستها كلها، فقط على الخيار العسكري. إن نفي "مصادر إسرائيلية" مسؤوليتها عن انفجار ميناء بندر عباس، يوضح مدى اعتماد إسرائيل على إدارة ترامب، وخوفها من الظهور كمن يحاول إفشال فرص الاتفاق. وإذا كانت هذه هي الحال، فمن الواضح أنه من دون الدعم الأميركي الذي يبتعد، أكثر فأكثر، مع كل جولة مفاوضات، فإن احتمال القيام بعمل عسكري ضئيل للغاية.
صحيح أن قبول مثل هذا الاتفاق سيتطلب من إسرائيل التخلي عن "أوهامها" بشأن تغيير النظام الإيراني، لكن البديل المتمثل في قبول "اتفاق نهائي"، من دون القدرة على التأثير فيه، هو أسوأ كثيراً. فعلاً، تستطيع إسرائيل مساعدة الولايات المتحدة في إدارة الاتفاق، وخصوصاً في ضوء قلة خبرة المفاوضين الأميركيين في إدارة ترامب، وذلك من خلال التركيز على القضايا الحاسمة في أيّ مفاوضات مستقبلية، مثل: وضع قيود من دون سقف زمني؛ خفض مستوى التخصيب بشكل كبير، وإخراج المواد المخصّبة؛ تفكيك جميع أجهزة الطرد المركزي المتطورة، والعودة إلى عمليات التفتيش المكثفة؛ تحسين الملاحق المتعلقة بالنشاطات العسكرية النووية. ألا يخدم مثل هذا الاتفاق المبدئي المصلحة الإسرائيلية؟
حان الوقت لكي تحدد إسرائيل لنفسها ماهية "الصفقة الجيدة" مع إيران
أضيف بتاريخ 05/03/2025
الرائد احتياط داني سترينوفيتش| معاريف