“حرب لا تكتفي ابدا” كتب في “قصيدة ليل السبت” ليهودا عميحاي الراحل الذي لم يتصور أن هذه ستكون نبوءة تتحقق. بعد سنة ونصف من بداية الحرب، ومثلما هو واضح لكل عيان، الهدفان الأهم – إعادة المخطوفين وتقويض حماس – لم يكتملا. الجواب على ذلك من جانب الحكومة، التي تحركها أساسا نزعة الثأر وليس الحكمة: ما لم يتحقق بالقوة، سيتحقق بمزيد من القوة.
في الواقع الحالي يبدو أن حرب الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة في الطريق الى التحول الى فيتنام، وفي الأسبوع الأخير رأينا بوادر حرب العصابات هذه مع سقوط بضعة جنود واصابة آخرين. 20 سنة، من 1955 حتى 1975، واكثر من 58 الف قتيل، استغرق الامريكيون كي يفهموا بانهم يقاتلون في حرب خاسرة لا يوجد احتمال للنصر فيها، حرب رهيبة جبت حياة نحو أربعة ملايين نسمة منهم مليونا فيتنامي. رغم التفوقات التكنولوجية وفي ميزان القوى للجيش الأمريكي لم يكن له جواب على حرب العصابات العنيدة التي خاضها الفيتكونغ، والتي دارت أساسا من خلال الانفاق وفي الاحراش والغابات. الفرضية الأساس للامريكيين كانت أن ضغطا مكثفا لقواتهم، يتسبب بقتل واسع بين مقاتلي الفيتكونغ سيؤدي بهم الى الاستسلام. اما الواقع فكان معاكسا. كان هذا وهما جبى من الولايات المتحدة ثمنا باهظا جدا.
يمكن أن نجد وجه شبه عظيم بين الحرب التي خاضها الفيتكونغ ضد الأمريكيين وبين الحرب التي تخوضها حماس ضد الجيش الإسرائيلي. صحيح أن هذه ليست حماس ذاتها في 6 أكتوبر 2023، التي كانت مزودة بعشرات الاف الصواريخ وعشرات الاف المقاتلين ولا يزال، حماس الحالية نجحت في أن تجند الى صفوفها الاف المقاتلين الجدد والمفعمين بالدوافع، بلا افق وأمل الذين مخرجهم الوحيد هو ان يصبحوا مقاتلي عصابات بهدف أن يفرضوا على إسرائيل انسحابا من قطاع غزة. لحرب العصابات هذه، التي توجد منذ الان في ذروتها، يوجد أثر عظيم ومقلق على مصير مخطوفينا الذين في الاسر.
تخوض حماس حربا بواسطة مئات الانفاق والحفر التي لم يكتشفها الجيش الإسرائيلي بعد، جنود حماس الذين يعرفون الارض بشكل افضل بكثير من جنود الجيش الإسرائيلي يعرفون كيف يستغلون هذا ويشخصون نقطة ضعف الجنود كي يمسوا بهم. كل ضحية إسرائيلي في هذه الحرب تزيد التوترات في المجتمع الإسرائيلي، بين المعارضين لمواصلة الحرب في ظل تعريض المخطوفين للخطر وبين أولئك الذين يسلموا بانهاء الحرب دون النصر المطلق. هذا الوضع يمزق المجتمع في إسرائيل ويضعف غموضه.
كلما تمترس الجيش الإسرائيلي في داخل القطاع واقام فيه قواعد دائمة تشكل هدفا مريحا، هكذا ستزداد قدرات وامكانيات مقاتلي العصابات الحماسيين لضرب الجنود. الواضح هو أن نصرا مطلقا لن يخرج من هذا.