في الذكرى السادسة والثلاثين لأحداث ساحة تيانانمن الدامية التي وقعت في الرابع من يونيو 1989، عادت الأضواء مجدداً لتسلط على واحدة من أكثر الصفحات حساسية في تاريخ الصين الحديث. ففي الوقت الذي تواصل فيه بكين فرض رقابة مشددة على كل ما يتعلق بهذه الحادثة، خرجت أصوات من تايوان والولايات المتحدة لتجدد العهد بحفظ الذاكرة ومناصرة قيم الحرية والديمقراطية.
في العاصمة التايوانية تايبيه، شارك الرئيس لاي تشينغ-تي في مراسم إحياء الذكرى، مؤكداً أن حماية الحقيقة التاريخية مسؤولية جماعية في مواجهة محاولات الطمس والنسيان. وقال لاي إن المجتمعات الديمقراطية لا يمكن أن تتجاهل تضحيات أولئك الذين ناضلوا من أجل حقوق الإنسان، مشيراً إلى أن ذكرى تيانانمن أصبحت رمزاً عالمياً للصمود في وجه الاستبداد.
من جانبها، أعربت الولايات المتحدة على لسان وزير الخارجية ماركو روبيو عن تضامنها مع ضحايا تيانانمن، متهمة السلطات الصينية بمواصلة سياسة التعتيم وتزييف الوقائع. وأشاد روبيو بشجاعة الشباب الصيني الذين تحدوا الدبابات من أجل الحرية، معتبراً أن ذكراهم ستظل حية في ضمير العالم الحر.
في المقابل، ردت الصين بغضب على هذه التصريحات، ووصفتها بأنها تدخل سافر في شؤونها الداخلية وتشويه متعمد للتاريخ. وشددت بكين على أن الاستقرار والوحدة الوطنية فوق كل اعتبار، مع استمرارها في فرض إجراءات أمنية مشددة حول ساحة تيانانمن ومراقبة كل أشكال التعبير أو التذكير بتلك الأحداث.
ورغم مرور أكثر من ثلاثة عقود، لا تزال قضية تيانانمن محاطة بالغموض، إذ لم تعلن الصين حتى اليوم عن حصيلة رسمية للضحايا، بينما تشير تقديرات منظمات حقوقية إلى مقتل المئات وربما الآلاف. وتتعرض عائلات الضحايا، المعروفة باسم "أمهات تيانانمن"، لملاحقات أمنية متواصلة، كما تم حظر جميع أشكال إحياء الذكرى في هونغ كونغ منذ عام 2020.
تأتي هذه التطورات في ظل تصاعد التوترات بين بكين وتايبيه، حيث توظف الأخيرة قضية تيانانمن كدليل على التباين الجذري بين النظامين السياسيين، وتأكيداً على تمسكها بالديمقراطية في مواجهة التهديدات الصينية. وبينما تسعى الصين إلى محو هذه الصفحة من الذاكرة الجمعية، يصر العالم الديمقراطي على إبقاء جذوة الذكرى مشتعلة، في معركة مستمرة بين الذاكرة والنسيان.