عبد الحق المريني: الرجل الذي همس في أذن الملوك

أضيف بتاريخ 06/05/2025
منصة المَقالاتيّ


رحل عبد الحق المريني، الذي وافته المنية في 2 يونيو 2025 عن عمر ناهز 91 عامًا، تاركًا خلفه إرثًا استثنائيًا كأحد أبرز الوجوه الخفية في البلاط الملكي المغربي. لمدة ستة عقود، خدم الرجل بوفاء ملكين: الحسن الثاني ثم محمد السادس، محتفظًا بأسرار السلطة ومهندسًا لطقوسها الرمزية.

وُلد المريني عام 1934 في الرباط، ينحدر من عائلة فاسية عريقة ارتبطت تاريخيًا بالعائلة العلوية منذ عهد السلطان المولى يوسف. جمع بين التكوين الديني (المدرسة القرآنية) والأكاديمي الحديث (دكتوراه من جامعة ستراسبورغ وأخرى من كلية الآداب بفاس)، ما مكّنه من أن يصبح جسرًا بين التراث والحداثة.

التحاقه بالبلاط الملكي عام 1965 كان محض صدفة ذات مغزى: لفت الأنظار بحديث تلفزيوني عن التاريخ العسكري المغربي، فاستدعاه مولاي الحفيظ العلوي، مدير التشريفات الملكية آنذاك، ليشارك في تعريب المراسلات الرسمية. من تلك اللحظة، صعد بهدوء إلى قلب "المخزن"، ليصبح بحلول 1998 مديرًا للتشريفات الملكية، ثم مؤرخًا للدولة (2010) ومتحدثًا رسميًا باسم القصر (2012).

لم يكن المريني مجرد موظف كبير، بل كان حارسًا للذاكرة الجماعية. صمّم مراسم البيعة وحفلات الزفاف الملكية وزيارات الرؤساء، بتركيزه على التفاصيل الدقيقة التي تحوّل الحدث إلى رمز. كما دوّن، بقلمه المحايد، تحولات المغرب من حكم الحسن الثاني إلى "عهد الانفتاح" تحت حكم محمد السادس، دون أن يبتعد عن الحياد الذي فرضه عليه منصبه.

وراء الصورة الرسمية، كان الرجل "موسوعةً تمشي على قدمين" – كما وصفه مقربون. جمع بين التواضع الشخصي والصرامة المهنية، مفضلًا الظل على الأضواء. ترك مؤلفاتٍ شكلت مراجع أساسية، مثل كتابه "الجيش المغربي عبر التاريخ" (1968)، الذي حصل على جائزة المغرب للكتاب، وأعمالًا عن الشعر الجهادي وتاريخ المغرب الحديث.

في رسالة تعزية نادرة، وصفه الملك محمد السادس بأنه "الرجل الذي جسّد بوفائه و علمه معاني الارتباط الوثيق بالعرش". اليوم، يُغلق رحيله فصلًا من تاريخ المغرب المعاصر، تاركًا سؤالًا عن مصير "حكماء المخزن" في زمن تسوده السرعة والضجيج.