في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وتوالي الأخبار حول ضربات متبادلة بين إسرائيل وإيران، وجدت دول الخليج نفسها أمام تحدٍ دبلوماسي صعب. وبينما أطلقت السعودية والإمارات بيانات رسمية قوية تدين الهجمات وتدعو إلى ضبط النفس، يبقى السؤال الأبرز: هل هذه الإدانات مجرد إجراءات شكلية أم أنها تعكس تحولاً حقيقياً في مواقف دول المنطقة؟
تأتي إدانات الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، في سياق مخاوف من تدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة. فالخوف من انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة يسيطر على حسابات صناع القرار في الرياض وأبوظبي، خصوصاً بعد سنوات من التصعيد بين المملكة وإيران، ثم محاولات التقارب الأخيرة التي تهدف إلى تجنب أي احتكاك مباشر أو غير مباشر. وعلى الرغم من الخطاب الدبلوماسي الحاد، فإن الخليجيين يدركون أن أي موقف متحيز قد يهدد مصالحهم الاقتصادية والاستراتيجية، خاصة في ظل وجود قواعد أمريكية وعسكرية أجنبية في أراضيهم.
تظهر الإدانات، كما هي العادة، كرد فعل سريع وتلقائي، لكنها تبقى ضمن إطار الدبلوماسية التقليدية التي لا تريد دول الخليج من خلالها أن تظهر وكأنها تقف في صف طرف ضد آخر. فالعلاقات مع إسرائيل، رغم التطبيع الذي شهدته بعض الدول الخليجية، لم تصل بعد إلى مستوى التحالف الاستراتيجي الذي يمكن أن يغريها بالمشاركة في أي مواجهة عسكرية. وفي المقابل، فإن إيران ظلت لعقود منافساً إقليمياً رئيسياً، ولكن الخليجيين باتوا يفضلون التعامل معها عبر الحوار بدلاً من المواجهة.
المكالمات الهاتفية بين وزراء خارجية الخليج ونظرائهم الإيرانيين، والدعوات المتكررة للحوار، تكشف عن رغبة حقيقية في منع أي تصعيد قد يؤدي إلى نتائج كارثية على الجميع. فدول الخليج، التي عانت من تداعيات الحروب في اليمن وسوريا، لم تعد ترغب في أن تكون ساحة لصراعات جديدة، حتى لو كان ذلك يعني التزام الصمت النسبي أو الاكتفاء بإدانات رسمية دون أي إجراءات ملموسة.
تبقى إدانات الخليج للضربات على إيران إجراءات وقائية أكثر منها مواقف مبدئية. فالهدف الأسمى هو الحفاظ على الاستقرار الإقليمي وحماية المصالح الاقتصادية، بعيداً عن أي مغامرة عسكرية أو سياسية قد تهدد ما بني من جسور الثقة الهشة بين دول المنطقة. وتظل الدبلوماسية، رغم ضعفها أحياناً، الوسيلة الوحيدة التي يعول عليها الخليجيون لمواجهة التحديات الإقليمية في ظل عالم مضطرب ومليء بالمفاجآت.