في الثاني عشر من يونيو، شنت إسرائيل سلسلة من الضربات الجوية التي ألحقت أضراراً كبيرة بالمنشآت النووية ومواقع الصواريخ الإيرانية، ودمرت مستودعات الوقود وقتلت عشرات من كبار المسؤولين في النظام الإيراني. وعلى الرغم من بقاء المرشد الأعلى علي خامنئي على قيد الحياة، إلا أن مساعديه الرئيسيين، مثل محمد باقري رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، وحسين سلامي قائد فيلق الحرس الثوري، لقوا حتفهم في هذه الضربات.
قبل سنوات قليلة، كان اغتيال باقري وسلامي وغيرهما من القيادات العسكرية فجأة وفي وقت واحد أمراً غير متوقع. كما أشارت مجلة "كورييه انترناسيونال"، فقد بنى النظام الإيراني، عبر أكثر من ثلاثة عقود، ما بدا نظاماً رادعاً قوياً يرتكز على ثلاث ركائز أساسية: ترسانة متطورة من الصواريخ الباليستية، وبرنامج طموح لتخصيب اليورانيوم، وشبكة واسعة من الميليشيات الخارجية التي تمكنت من مضايقة القوات الإسرائيلية والأمريكية بشكل شبه يومي. لكن المتشددين الإيرانيين لعبوا بالنار، فانهار نظام الردع الذي بنوه بعناية، وأصبح النظام الإيراني أكثر ضعفاً وتعرضاً للخطر مما كان عليه منذ حرب الثمانينيات مع العراق.
منذ الثورة الإيرانية عام 1979، عملت طهران على بناء شبكة من الميليشيات المتحالفة معها في المنطقة. هذه الميليشيات تشمل: حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن، بالإضافة إلى تشكيلات مسلحة أخرى في العراق، وعلاقات وثيقة مع نظام بشار الأسد في سوريا. هذه التحالفات، إلى جانب برنامج الصواريخ الباليستية القوي، سمحت لإيران بتهديد خصومها مباشرة أو عن بعد، وأتاحت للمحافظين تعزيز قبضتهم على السلطة.
لكن ذلك لا يعني أن قادة إيران كانوا بعيدين عن الضغوط. فقد بدؤوا مفاوضات مع الولايات المتحدة عام 2015 أملاً في تخفيف الأعباء الاقتصادية الناجمة عن العقوبات. لكن حتى هذه المفاوضات ساهمت في صعود إيران كقوة إقليمية. الاتفاق النووي الذي نتج عنها خفف العقوبات بشكل كبير دون فرض قيود على وسائل الدفاع الإيرانية، باستثناء بعض القيود على برنامج التخصيب. لكن في عام 2018، انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق وأعادت فرض العقوبات
في أكتوبر 2023، وصلت الجمهورية الإسلامية إلى ذروة نفوذها الإقليمي. امتد تأثيرها من العراق إلى البحر المتوسط، وسيطرت ميليشياتها المتحالفة على الضغط المستمر على إسرائيل. بعد هجمات حماس في السابع من أكتوبر 2023، اعتقد الكثيرون أن الموقف الإيراني سيتعزز أكثر، خاصة مع انشغال خصمها الرئيسي في الشرق الأوسط - إسرائيل - في حرب عنيفة. لكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً.
سرعان ما انهارت الشبكة الإقليمية لإيران في غضون أشهر قليلة. الضربات العسكرية الإسرائيلية دمرت حماس وضربت حزب الله بقوة، وهما عمادا الضغط على إسرائيل. وفي ديسمبر، سقط نظام بشار الأسد المفاجئ، وهو جزء حيوي من نظام الردع الإيراني، وخاصة أن سوريا كانت المعبر الرئيسي لإمداد حزب الله والمقاتلين الفلسطينيين في الضفة الغربية بالأسلحة.
واجهت إيران خيار التراجع أو التصعيد، واختارت الأخيرة. في أبريل وأكتوبر 2024، هاجمت إيران إسرائيل مباشرة، آملاً الحرس الثوري في إثبات قوته العسكرية واستعادة الردع. لكن النتيجة كانت عكسية: كشفت هذه الهجمات عن ضعف الصواريخ الإيرانية، حيث اعترضت الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأمريكية ومعهم شركاء إقليميون جميع الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية تقريباً. بل إن هذه الضربات دفعت إسرائيل للرد مباشرة على إيران، وأثبتت تفوقها الجوي بعد تدمير معظم بطاريات الدفاع الجوي والمنشآت العسكرية الإيرانية في أكتوبر. سقط آخر حاجز كان يمنع خصوم إيران من استخدام القوة ضد أراضيها، وانتهى نظام الردع الإيراني تقريباً.
مع بداية 2025، رفضت السلطات الإيرانية الاعتراف بالهزيمة. لكن الوضع أصبح صعباً أكثر. خلال أيام قليلة، تسببت الضربات الإسرائيلية في أضرار جسيمة للبرنامج العسكري والنووي الإيراني. حتى لو لم يُكشف عن حجم الدمار الحقيقي إلا للقيادة الإيرانية، فإن إيران لن تتعافى بسهولة من هذه الضربات.
الأخطر من ذلك، أن إيران لم تعد قادرة على الدفاع عن مجالها الجوي. دفاعاتها الجوية، التي كانت مصدر فخر النظام، دمرت أو أصبحت غير قابلة للعمل في معظم أنحاء البلاد. ترسانة الصواريخ تم تدميرها، ودمرت معظم منصات إطلاق الصواريخ المتحركة، وأصبحت المنشآت الصناعية لإنتاج الصواريخ والمواد الأولية غير موجودة. أما برنامج تخصيب اليورانيوم، فقد تلقى ضربة قوية. قد يبقى لدى إيران مخزون من اليورانيوم عالي التخصيب وبعض أجهزة الطرد المركزي تحت الأرض، لكن برنامج التخصيب النووي لم يعد أداة ردع فعالة.
أضف إلى ذلك فقدان الثقة في المؤسسة العسكرية. ورغم أن النظام استبدل القادة الذين قتلوا، إلا أن الأمر سيستغرق وقتاً حتى ينال القادة الجدد ثقة المرشد الأعلى كما كان مع سابقيهم.
في ظل هذه الظروف، قد يضطر النظام إلى الاعتراف بالهزيمة، وربما يلجأ إلى الحد من الأضرار والبحث عن تسوية مع إسرائيل والولايات المتحدة. وهذا يتطلب، على أقل تقدير، التخلي عن برنامج التخصيب النووي، وربما وقف برنامج الصواريخ الباليستية، والتوقف عن دعم حلفائه في الخارج، والتخلي عن هدف تدمير إسرائيل. ورغم أن الشعب الإيراني قد يفضل هذا الحل، إلا أنه بالنسبة للنظام سيعني استسلاماً كاملاً قد يؤدي إلى انهيار النظام الثيوقراطي.
لتجنب ذلك، قد يختار خامنئي مواصلة القتال. وربما يفكر في خيار نووي إذا ما احتفظت إيران بمخزون اليورانيوم المخصب والمعرفة التقنية اللازمة، في محاولة لتجربة سلاح نووي واستعادة الردع. أو قد يواصل الحرب لإضعاف إسرائيل أو لتوحيد الشعب خلفه، آملين في أن تؤدي الضربات الإسرائيلية، أو حتى تدخل الولايات المتحدة، إلى زيادة عدد الضحايا المدنيين، وبالتالي تعزيز دعم الشعب للنظام. لكن هذا الخيار محفوف بالمخاطر، وقد ينتهي بإيران معزولة ومدمرة أكثر من أي وقت مضى.
مهما كان المسار الذي ستسلكه إيران، فإن النظام الإيراني خسر الحرب التي خاضها لعقود ضد إسرائيل، كما ذكرت مجلة "كورييه انترناسيونال". إما أن يتخلى عن ركائز أيديولوجيته ويحاول إعادة بناء علاقات دبلوماسية واقتصادية لاستعادة مكانته في المنطقة، أو يتمسك بمواقفه وينزوي أكثر على نفسه. علي خامنئي والحرس الثوري خسرا: الوضع الراهن الذي رسخاه في المنطقة لم يعد موجوداً.