في الساحة الدبلوماسية الدولية، لا يمر يوم دون أن تطلق روسيا والصين تصريحات قوية تدين فيها سياسة الولايات المتحدة، مستندتين إلى ميثاق الأمم المتحدة كبُوصلة أخلاقية وقانونية. مؤخراً، أعلنت بكين استنكارها الشديد لضربة أمريكية على إيران، متهمة واشنطن بانتهاك القانون الدولي وداعية إلى احترام السيادة والحل السلمي للنزاعات. للوهلة الأولى، يبدو أن هاتين القوتين تحملان مشعل الدفاع عن الشرعية الدولية. لكن الواقع أكثر تعقيداً، بل وأحياناً أكثر سخرية مما تتوقع.
إذا ألقينا نظرة على سجل استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، نجد أن موسكو وبكين لا يتورعن عن استخدام هذا الحق لحماية مصالحهما. فروسيا، على سبيل المثال، تستخدم الفيتو بانتظام لإفشال أي قرار يهدد نفوذها، سواء في سوريا أو أوكرانيا. أما الصين، فغالباً ما تقف إلى جانب روسيا في هذه المعارك الدبلوماسية، بينما ترفع شعار احترام ميثاق الأمم المتحدة عندما يتعلق الأمر بانتقاد الولايات المتحدة.
المفارقة الساخرة تبلغ ذروتها عندما تتهم موسكو وبكين واشنطن بانتهاك الميثاق، بينما هما نفسيهما لا يترددان في تجاهله متى اقتضت مصلحتهما. خذ مثلاً ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، وهو إجراء يخالف بوضوح مبدأ سيادة الدول الذي يدافع عنه الميثاق. ومع ذلك، تواصل روسيا الدفاع عن موقفها، وتشن حملات ضد أي تدخل خارجي في شؤون الدول الأخرى. المشهد نفسه يتكرر مع الصين، التي تتبنى خطاب "عدم التدخل" لتبرير صمتها عن انتهاكات بعض الأنظمة الحليفة، بينما ترفع صوتها عالياً ضد أي تدخل غربي.
في هذه اللعبة الدبلوماسية، يبدو ميثاق الأمم المتحدة أداة بلاغية أكثر منه مرجعية قانونية ملزمة. فكل طرف يلوح بالمبادئ متى أراد، ويتجاهلها متى شاء، في لعبة دولية يبدو أن الكيل فيها بمكيالين هو القاعدة الوحيدة التي لا يختلف عليها أحد!