وجه جديد للمسيحية: كيف تعيد قراءة تاريخها بعيدًا عن صورة الإمبراطورية

أضيف بتاريخ 06/04/2025
دار سُبْحة


في الوعي الجماعي، ارتبطت المسيحية طويلًا بصورة "المسيحية الإمبراطورية"، تلك التي تماهت مع السلطة السياسية، ورافقت مشاريع التوسع والهيمنة منذ عهد الإمبراطور قسطنطين وحتى عصور الاستعمار الأوروبي. لكن في العقود الأخيرة، برز تيار فكري وروحي داخل المسيحية يسعى إلى إعادة قراءة هذا التاريخ وفصل جوهر الرسالة المسيحية عن إرث السلطة والمؤسسات.

هذا التيار النقدي لا يسعى إلى هدم المسيحية، بل إلى تحريرها من الأبعاد التاريخية التي شوهت رسالتها الأصلية. فهو يميز بين تعاليم يسوع المسيح القائمة على المحبة والعدالة والرحمة، وبين توظيف الدين لتبرير الحروب أو قمع الحريات أو فرض الهيمنة الثقافية. ويؤكد هذا التيار أن المسيحية، في جوهرها، دعوة إلى اختبار روحي شخصي، لا مجرد انتماء ثقافي أو طاعة مؤسساتية.

وقد ساهمت تحولات كبرى مثل الثورة الفرنسية وصعود الفكر النقدي الحديث في دفع الكنيسة إلى مراجعة علاقتها بالسلطة والمجتمع. فبعد مجمع الفاتيكان الثاني، أصبح الحوار مع العالم الحديث وقيمه (كالحرية وحقوق الإنسان) جزءًا من الخطاب المسيحي السائد، مع الاعتراف بأخطاء الماضي والانفتاح على التعددية الدينية والفكرية.

اليوم، يطرح هذا الوجه الجديد للمسيحية أسئلة جوهرية: كيف يمكن للكنيسة أن تظل وفية لرسالتها الروحية في عالم علماني ومتعدد؟ كيف توازن بين الحفاظ على هويتها والانفتاح على الآخر؟ وهل يمكن للمسيحية أن تقدم نموذجًا أخلاقيًا جديدًا بعيدًا عن النزعة السلطوية؟

هذه الأسئلة تعكس حيوية المسيحية اليوم، وتؤكد أن الدين ليس مجرد تراث جامد، بل تجربة إنسانية متجددة قادرة على النقد الذاتي والتجدد المستمر.